مع بداية كل موسم خريف تشهد معتمدية (دائرة) سبيبة، بولاية القصرين التونسية والحدودية مع الجزائر، حركية اقتصادية كبيرة بجني ثمار التفاح.
وفي كل أنحاء المنطقة المحاطة بالجبال، ترى الناس منهمكين في جني التفاح، أو نقله، أو تخزينه.
ومنذ ستينات القرن الماضي، بدأت بساتين التفاح تتوسع، لتصبح سبيبة، عاصمة التفاح الأولى.
عمل كامل الموسم
بعد قطع درب ترابي، متفرع عن الطريق الرابط بين سبيبة ومدينة سبيطلة (40 كلم)، دخلنا ضيعة الفلاح عادل الفرجاني، بمنطقة عين الخميسية، حيث يتم جني 3 آلاف شجرة التفاح.
نساء وشبان يقطفون الثمار من أغصان الأشجار ويضعونها في صناديق، وهم منشرحون بوفرة الصابة (الإنتاج) هذا العام.
وخلال إشرافه على عمليات جني الثمار وفرزها وفق أحجامها في صناديق، أشار الفرجاني، للأناضول، إلى أن “الضيعة (البستان) كلها تفاح من نوع غولدن (الذهبي) وريتشارد (الأحمر) تمتد على مساحة 7 هكتارات، وتحتوي على 3 آلاف شجرة”.
وأضاف “في الشتاء نبدأ الحراثة وتزويد الشجرة بالأسمدة العضوية، ثم نقوم بتشذيبها ونسقيها، ثم نعيد التسميد، ونرويها كل يوم، وفق نظام التقطير”.
الفرجاني، لفت إلى أن “هناك مصاريف كبيرة تبدأ من جانفي إلى يوم جني التفاح”.
وأضاف “تصل المصاريف بالنسبة لضيعتي إلى أكثر من 100 ألف دينار (نحو 33 ألف دولار) من مبيدات وأدوية ويد عاملة وكهرباء”.
التفاح المسموم
عبد الوهاب الزروقي، مدير المهرجان الدولي لتفاح سبيبة، رئيس مجمع (تجمع) التنمية الفلاحية لمنتجي تفاح سبيبة، خلال مرافقته لوكالة الأناضول في جولتها إلى المنطقة، يشير إلى أنه “قبل الاستقلال (1956) كان لنا تفاح يسمى الموخم، يُعتقد أنه ينشر أمراضا في المنطقة، فقطع الفلاحون أشجاره”.
ويقول الزروقي، “خلال الستينات أقرت الخارطة الفلاحية، التي ضبطتها الدولة، أن سبيبة منطقة لإنتاج التفاح، وذلك إثر بحوث وتحاليل، باعتبار ساعات برودة الطقس بالمنطقة، وتوفر الماء العذب والتربة الغنية”.
وتابع “انطلقت مندوبية الفلاحة بالمنطقة (حكومية) في غراسة نوعين من التفاح؛ ريتشارد والغولدن”.
ووفق الزروقي، “في الستينات كان الفلاحون يرفضون هذا، ويقتلعون ليلا ما تزرعه الدولة نهارا، لارتباط التفاح ببعض الأمراض في عقليتهم، ولكن الدولة أصرت وأقنعت الفلاحين”.
وأردف “في السبعينات نجحت التجربة، وأصبح الإنتاج وفيرا، والشجرة الواحدة تنتج من 40 إلى 50 صندوق تفاح، وانطلق مهرجان التفاح عام 1979”.
بساتين مسقية
ولتصبح سبيبة أرض التفاح الأولى في البلاد “تمّ اعتماد الضيعات الفلاحية في مناطق مسقية محدثة بقرار من الدولة، على ضفتي وادي سبيبة (يشق وسط المدينة)”، بحسب الزروقي.
وأشار إلى مقولة متداولة في المنطقة “أصل التفاح ما سُقِيَ من ماء وادي سبيبة”.
وأضاف الزروقي، “فيما بعد تعرضت الغابة للشيخوخة، ومنذ 2014 بدأنا مرحلة تشبيب البساتين، وتواصلنا مع وزراء الفلاحة المتعاقبين”.
وأردف “مازلنا نحاول مع البنك الإفريقي للتنمية، الذي وعد بتشبيب 500 هكتار من بساتين التفاح، وتوفير شباك واقية من البَرَد لـ 500 هكتار”.
الزروقي، استدرك قائلا “لكن المشروع لم ير النور بعد، وباستحداث المجمع (تجمع المنتجين) سنكون صوت الفلاح لحل هذه المعضلات”.
طرق تحتاج لتعبيد
المزارع الفرجاني، وإن بدا متفائلا بوفرة محصوله هذا العام فإنه نبّه إلى “أن الإنتاج بإمكانه أن يكون أكثر جدوى لو تم توفير ظروف إنتاج ملائمة”.
وقال “نِصف الإنتاج يضيع لغياب مصانع التحويل، وأهل المنطقة ليست لهم إمكانيات للتثمين (المنتوج)”.
وأضاف مُعددا الصعوبات “كذلك هناك غلاء الأسمدة والمبيدات، وكل مزود له طريقة في البيع، والفلاح يقتني بطريقة تأجيل الدفع، ما يجعله يقبل بأي ثمن يفرضه المزود، دون أن يسأل عن الأسعار”.
وأشار الفرجاني، إلى أن مزرعته “تقع بداية منطقة مسقية، فيها 30 هكتار مزروعة بأشجار التفاح، ولكن الطريق غير معبدة، ونجد صعوبة في ترويج سلعنا، ونطالب من الوالي أن يساعدنا في تعبيد الطريق”.
ولفت إلى “صعوبات في التزود بالكهرباء لتشغيل محركات الآبار، لأن الضغط الكهربائي غير مستقر والانقطاعات كثيرة نتيجة استهلاك عشوائي مما يؤدي إلى ضياع المنتوج”.
ويرى الفرجاني، أن “العمل الجمعوي هو الذي سينقذ الفلاح ويعرف بإنتاجه”.
أما الزروقي، فيقر بوجود “صعوبات” إلا أنه متفائل بالتقسيم الإداري الجديد الذي استحدث “الأقاليم”.
وقال “نأمل أن نعمل عملا جيدا لإنجاز شبكة من الطرقات”.
وفي سبتمبر الماضي، أقر الرئيس قيس سعيد، تقسيما إداريا جديدا أقره، حيث ستصبح ولاية القصرين ضمن الإقليم الثالث، الذي يضم أيضا ولايات القيروان وسليانة وسوسة والمنستير والمهدية.
وأشار الزروقي، إلى الطريق الترابية التي تفصل ضيعة الفرجاني عن الطريق المعبد، وقال “نأمل العدل في منطقة فيها 50 فلاحا، ستتوسع ليصبح هناك 200 فلاح”.
وتساءل “كيف يمكنهم العمل دون طريق يسمح لهم بإخراج منتوجهم إلى الأسواق؟”.
تفاح مهرب من الجزائر
يقول الزروقي، إن “تفاح سبيبة أخذ العلامة المثبتة للأصل في 2009، وهو تفاح له طعم خاص، وعندما ننظم يوميات تذوق في الولايات الأخرى، المواطن يميز تفاح سبيبة عن غيره من خلال الرائحة والتذوق”.
وأضاف “لدينا أكثر من 7 ألاف هكتار منها 3 آلاف و900 هكتارا مناطق مسقية عمومية أحدثتها الدولة، و3 آلاف و500 هكتارا أحدثها فلاحون بمالهم الخاص”.
الزروقي، أشار إلى أن “هناك فلاح مقتنع له النوعية القديمة وجددها، وهناك فلاحون جدد أخذوا مشاتل مهربة من الجزائر، ثمارها لها منظر جميل، ولكن ليست مثل تفاح سبيبة من حيث الجودة والطعم”، على حد زعمه.
وأوضح أن “تفاح سبيبة أخذ العلامة المميزة إثر تحاليل قام بها خبراء”، دون أن يذكر المخابر التي أجريت فيها التحاليل ومدى مصداقيتها.
وأشار إلى أنه “لم يتم تفعيل مجمع منتجي تفاح سبيبة، الذي أحدث عام 2010، وتعطل مع الثورة (2011) وهذا العام فعّلناه”.