قالت إسرائيل اليوم الخميس إنها لن تعلق حصارها لقطاع غزة لدخول المساعدات أو إجلاء أشخاص حتى تحرير جميع الرهائن، وذلك في الوقت الذي تحث فيه واشنطن على حماية المدنيين ويحذر الصليب الأحمر من وقوع كارثة إنسانية في القطاع.
ووصل وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى تل أبيب في رحلة لإظهار التضامن مع إسرائيل وأبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن أمريكا ستقف دائما بجانب إسرائيل وستمنحها مساعدات أمنية، لكنه حث إسرائيل على ضبط النفس “ولو كان عسيرا”.
وتوعدت إسرائيل بسحق حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) التي تحكم قطاع غزة ردا على هجومها الأكثر دموية على المدنيين في تاريخ إسرائيل حينما اخترق مئات المسلحين السياج الحدودي واجتاحوا بلدات إسرائيلية قريبة يوم السبت.
وقال اللفتنانت جنرال هرتسي هاليفي رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إن الدروس ستُستقى من الإخفاق الأمني حول غزة الذي جعل الهجوم ممكنا.
وأضاف “جيش الدفاع الإسرائيلي مسؤول عن الدفاع عن الدولة ومواطنيها، وصباح يوم السبت، في المنطقة المحيطة بغزة، لم نكن على قدر المسؤولية”. وأضاف “سنتعلم وسنحقق، لكن الآن هو وقت الحرب”.
وقالت هيئة البث العامة الإسرائيلية (راديو كان) إن حصيلة القتلى الإسرائيليين تجاوزت 1300 منذ يوم السبت. ومعظم القتلى مدنيون تعرضوا لإطلاق النار في منازلهم أو في الشوارع أو في حفل راقص. واقتادت حركة حماس عشرات الرهائن من الإسرائيليين والأجانب إلى قطاع غزة. وتقول إسرائيل إنها حددت هوية 97 منهم.
وردت إسرائيل بفرض حصار شامل على القطاع الذي يقطنه 2.3 مليون نسمة ونفذت أعنف حملة قصف في تاريخ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ودمرت أحياء بأكملها. وتقول السلطات في غزة إن أكثر من 1400 فلسطيني قتلوا وما يزيد على ستة آلاف أصيبوا في القصف.
وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إن الوقود الذي يشغل مولدات الطوارئ في مستشفيات غزة قد ينفد خلال ساعات.
وقال فابريتسيو كاربوني المدير الإقليمي للشرق الأوسط والأدنى في الصليب الأحمر اليوم الخميس “من دون كهرباء، قد تتحول المستشفيات إلى مشارح… المأساة الإنسانية الناجمة عن هذا التصعيد أمر مقيت، وأناشد الطرفين التخفيف من معاناة المدنيين”.
وقال وزير الطاقة الإسرائيلي إسرائيل كاتس إنه لن يكون هناك أي استثناء من الحصار بدون تحرير الرهائن الإسرائيليين.
وكتب على منصة إكس “لن يُرفع أي مفتاح كهربائي، ولن يُفتح صنبور مياه، ولن تدخل شاحنة وقود حتى يُعاد الرهائن الإسرائيليون. إنسانية مقابل إنسانية، ولا ينبغي لأحد أن يعطينا دروسا في الأخلاق”.
وقالت مصر، التي تتشارك مع غزة في معبر حدودي وحيد هو معبر رفح، إنها تحاول السماح بدخول المساعدات إلى هناك.
شكرا أمريكا
في أكبر إشارة حتى الآن إلى احتمال تسرب الصراع عبر الحدود، قالت سوريا إن ضربات جوية استهدفت مطارين في دمشق وحلب وعطلت الخدمة في كليهما. وقال الجيش الإسرائيلي إنه لا يعلق على مثل هذه التقارير. وسوريا حليف وثيق لإيران التي تدعم حماس وتحتفي بهجماتها مع إنكار اضطلاعها بدور مباشر.
وقال بلينكن وهو بجوار نتنياهو “ربما تكونون أقوياء بما يكفي لتدافعوا عن أنفسكم بمفردكم. لكن ما دامت أمريكا موجودة، لن يكون عليكم فعل ذلك. سنكون دائما بجانبكم”.
ورد نتنياهو “شكرا أمريكا على وقوفك إلى جانب إسرائيل اليوم وغدا ودائما”.
وأدلى بلينكن أيضا بتصريح عاطفي عن تجربة شخصية يقص فيه كيف فر جده من المذابح في روسيا وكيف نجا زوج والدته من المعسكرات النازية.
وقال “أتفهم على المستوى الشخصي الأصداء المروعة التي تستدعيها مذابح حماس بالنسبة لليهود الإسرائيليين، وبالطبع بالنسبة لليهود في كل مكان”.
وأضاف “نحن، الدول الديمقراطية، نميز أنفسنا عن الإرهابيين بالتطلع إلى معيار مختلف، ولو كان عسيرا. ذلك سبب الأهمية القصوى لاتخاذ كل المحاذير الممكنة لتفادي إيذاء المدنيين”.
ومن المقرر أن يزور بلينكن الأردن غدا الجمعة للقاء العاهل الأردني الملك عبد الله والرئيس الفلسطيني محمود عباس.
وندد عباس، خصم حماس، بالعنف ضد المدنيين من كلا الطرفين.
ونقلت وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية (وفا) عن عباس قوله “نرفض الممارسات التي تتعلق بقتل المدنيين أو التنكيل بهم من الجانبين لأنها تخالف الأخلاق والدين والقانون الدولي”.
وتجمع عشرات الإسرائيليين في المقبرة العسكرية في جبل هرتزل بالقدس اليوم الخميس لدفن قتلاهم.
وقال أحد المشيعين “عندما لم تجب اتصالي، علمت أنك تقاتل بكل ما أوتيت من قوة. حينما أدركت أنك مفقود، لم أتصور أن الأمر سيؤول إلى هذا”.
وفي المستشفى بخان يونس، المدينة الرئيسية في جنوب قطاع غزة التي تمتلئ فيها المقابر عن آخرها، يُدفن القتلى في أراض فضاء مثل أسرة سمور التي قُتلت مساء أمس الأربعاء جراء غارة استهدفت منزلهم.
وعثر الأقارب والأصدقاء على ثماني جثث في المشرحة، ويُعتقد أن عشرة جثث أخرى ما تزال تحت الأنقاض. ونُقلت الجثث من المستشفى في شاحنة تحفها أغطية مرسوم عليها زهور ووُضعت داخل أكفان بيضاء في أرض فضاء في الشارع الذي دُمر فيه منزلهم. ووقف المئات من الرجال لصلاة الجنازة بالقرب من الأكفان.
وفي مستشفى قريب، حاولت امرأة تهدئة فتاة باكية قُصف منزلها. وظلت الفتاة تصرخ “أمي، أريد أمي”. واحتضنت المرأة الفتاة.
وفي مخيم الشاطئ للاجئين في قطاع غزة، نبش السكان الركام بأياديهم العارية بحثا عن ناجين وجثث. ويقول عمال الإنقاذ إنهم يعانون بسبب نقص الوقود والمعدات اللازمة لانتشال الضحايا من بين أنقاض المباني المنهارة.
ومع دعم واشنطن القوي لإسرائيل، يظهر اعتزام بلينكن الاجتماع مع عباس أنها لا زالت تأخذ بعين الاعتبار مظالم الفلسطينيين.
ويعاني سكان غزة من انهيار اقتصادي وتكرار القصف الإسرائيلي بموجب حصار مفروض منذ تولي حماس السلطة في القطاع منذ 16 عاما.
وتصاعد الغضب الفلسطيني في الأشهر القليلة الماضية، مع تنفيذ إسرائيل حملة قمع دامية لسنوات في الضفة الغربية وتحدث حكومتها اليمينية عن انتزاع مزيد من الأراضي. وانهارت منذ نحو عشر سنوات عملية السلام الرامية لإقامة دولة فلسطينية، وهو أمر يقول زعماء فلسطينيون إنه لم يدع أملا للشعب الفلسطيني.