فرض الصربي نوفاك ديوكوفيتش، بعدما كرّس تفوّقه على عمالقة جيله أمثال السويسري روجيه فيدرر والإسباني رافايل نادال، إرادته المهيمنة على الجيل الجديد في عالم كرة المضرب، حتى لو اضطر إلى دفع هوسه الرياضي إلى حدوده القصوى.
ومنذ تكريسه الأول في البطولات الأربع الكبرى عام 2008 في أستراليا، حتى لقبه الـ 24 الأحد في فلاشينغ ميدوز ليعادل الرقم القياسي المطلق في فئتي الرجال والسيدات بحوزة الاسترالية مارغريت كورت، يبدو واضحاً للعيان أن ديوكوفيتش يرتجل ويتكيّف ويهيمن.
وأفضل مثال على ذلك، فوزه ببطولة أستراليا المفتوحة عامي 2021 رغم معاناته من تمزّق في بطنه، و2023 رغم اصابته بتمزّق في فخذه.
قال الصربي البالغ 36 عاماً “لقد رسمت طريقي وأستمر. الأجسام تتغير، ويجب أن أكون قادراً على التكيّف مع الفترات، والمواسم والاحتياجات المختلفة لجسدي”.
الكمال في إعداد واستخدام جسده دفعه إلى التضحية ببطولتين من البطولات الأربع الكبرى حيث كان من الممكن أن يكون المرشح الأوفر حظاً، اذ غاب عن أستراليا وفلاشينغ ميدوز 2022 لأنه رفض الحصول على اللقاح المضاد لفيروس كورونا. وقد أثار موقفه انتقادات وسخرية أكثر من الاقرار بمستوى تضحيته بنفسه.
ظلّ ديوكوفيتش بمنأى عن الاصابات الخطيرة طوال مسيرته، باستثناء ابتعاده عن الملاعب لفترة وخضوعه لعملية جراحية جراء إصابة في المرفق، كما أثار الاعجاب للمستوى الذي ظهر به منذ مطلع العام الحالي في حين يشتعل فتيل المنافسة مع الجيل الجديد، وبات عليه أن يجد أفضل السبل للتغلب عليهم.
ومنذ أمد طويل، تعامل الصربي مع جسده ليمنحه بشكل خاص ليونة وحتى مرونة لا تشرّع أمامه فقط ابواب امكانات عدة في ملاعب الكرة الصفراء، خاصة في الدفاع، بل تمنع تعرضه للاصابة.
-كتلة عضلية-
يُترجم “ديوكو” هذا الأمر إلى “بضع ساعات من العمل” حتى قبل الذهاب لخوض التمارين ومن خلال اتباع نظام غذائي مراقب للغاية.
قال خلال بطولة ويمبلدون في جويلية الماضي “كان من الصعب أن أصبح أكثر نحافة مما كنت عليه قبل سنوات قليلة”، موضحا أنه كان عليه التغلب على “مشكلات في المعدة”.
وأشار “الآن، وصلت إلى الوزن الأمثل، لكنها فكرة سطحية. هناك عوامل أخرى مهمة للغاية يجب دمجها مع بعضها البعض، مثل أن تكون ديناميكيا وقويا ومرنا”.
وبالفعل، يرى السويسري ستانيلاس فافرينكا، الفائز بـ 16 لقبا في مسيرته، والذي يراقبه عن كثب كونه غالباً ما يتمرن معه أن ديوكوفيتش “يبحث عن التأقلم على الجيل الجديد”.
وما لاحظه السويسري على الفور في الصربي هو الزيادة “في كتلة العضلات في الأشهر الأخيرة”.
قال فافرينكا الذي انضم إلى نادي القلائل الذين تمكنوا من الفوز على ديوكوفيتش في نهائي غراند سلام (رولان غاروس 2015 وفلاشينغ ميدوز 2016) “هو أكثر قوة، ويضع المزيد من القوة في ما يفعله”.
وأردف ابن الـ 38 عاما “لقد شاهدته كثيرا في رولان (غاروس)، وهو يفعل أشياء لم يفعلها من قبل، بمعنى أنه يستطيع توجيه ضربات أقوى بكثير عندما يلعب ضد أشخاص مثل (الإسباني كارلوس) ألكاراس أو (النروجي كاسبر) رود”.
وضمن السياق ذاته، قال السويدي ماتس فيلاندر، المصنف أول عالمياً سابقا، والذي يعمل حالياً كمستشار في قناة يوروسبورت الرياضية “لقد أدرك في سن الـ 36 عاماً أنه بحاجة إلى أن يكون أكثر عدوانية لأنه ربما لن يكون قادراً على العودة بعد المباريات التي تستغرق وقتا طويلاً كما كان يفعل عندما كان في سن الـ 26 عاماً”.
وتابع “يضرب بقوة أكبر، وبات لاعب كرة مضرب أكثر ذكاء. تبدو جميع جوانب أسلوب لعبه وكأنها الآن أفضل قليلاً مما كانت عليه في السابق”.
-الحياة مجرد رحلة-
يدفع ديوكوفيتش تمارينه الذهنية إلى الحدّ الأقصى، حتى لو كان ذلك يعني إثارة انتقادات ضده عندما يستعين بمدرب غامض هو الإسباني بيبي إيماس (49 عاما)، أو يذهب إلى سفح “هرم الطاقة” في البوسنة.
“الحياة مجرّد رحلة رائعة يمكنها أن تقدّم لك الكثير إذا كنت منفتحاً على التجارب”، يوضح اللاعب الذي بنى نفسه في الشدائد، وتحت وابل من قنابل حرب البلقان.
ويتابع قائلاً “أريد دائما الاستمرار في النمو والتعلم والتطور وفهم الفوارق الدقيقة والتفاصيل، سواء كان ذلك في اسلوب لعبي أو جسدي، أو نظامي الغذائي أو التعافي، أو أي شيء يمكن أن يسمح لي باتخاذ خطوة إضافية صغيرة”.
سعى ديوكوفيتش، لفترة طويلة، إلى سحر جماهير الكرة الصفراء، فهو شخص ودود ومحترم ومتاح للجميع ومضحك ووطني ولكن منفتح على العالم وذكي ومثقف ومتعدد اللغات.. باختصار شديد يمكن القول انه وضع جميع مواهبه بتصرف كرة المضرب.
رغم كل هذه المواصفات، إلا انه من الصعب على “ديوكو” أن يقترب أو حتى يلامس شعبية منافسيه الرئيسيين خلال مسيرة طويلة وهما فيدرر ورافايل.
وبعد اعتزال السويسري ووصول مسيرة الاسباني إلى فصلها الختامي، انطلق ديوكوفيتش بتصميم أكثر في السعي ليصبح بلا شك الأفضل في التاريخ. من ناحية الأرقام، هذا الصربي الذي قال، وهو في سن السابعة، للقناة الوطنية إنه يريد أن يصبح اللاعب الرقم واحد عالمياً، بات الآن أعظم لاعب في كل الأزمنة.. ومن دون نقاش.
يتضمن سجله الفوز بـ 24 لقبا في البطولات الأربع الكبرى في رقم قياسي مطلق، و96 لقباً في دورات المحترفين (ايه تي بي)، منها 39 في دورات الماسترز ألف، وهو رقم قياسي، كما سيمضي 390 أسبوعاً في صدارة تصنيف اللاعبين المحترفين اعتبارا من الاثنين في رقم قياسي آخر، فيما بلغت اراداته من جوائز البطولات أكثر من 175 مليون دولار (لا تشمل إيرادات الإعلانات)…
يؤكد فيلاندر “نوفاك ليس أفضل لاعب في التاريخ فحسب، بل هو أفضل نسخة منه كلاعب”.
من ناحيته، يلخّص صاحب الشأن المتأهل وأب لطفلين، حالته قائلاً “لسنا شباناً أو كبارا في السن إلا بما نشعر به. أنا أشعر أني شاب في جسدي وعقلي وقلبي”.