تشكو الطالبة سوار دربالي (18 عاما) المصابة بحساسية من مادة الغلوتين الموجودة في القمح والشعير وحبوب أخرى (مرض الأبطن) من نقص الأرز في تونس، الذي يعد العنصر الأساسي في حميتها الغذائية، مما يدفعها إلى البحث عن بدائل باهظة الثمن لا تقدر على توفيرها باستمرار.
وسوار تمثل معاناة الآلاف من المصابين بهذا المرض والتي زادت في الآونة الأخيرة بسبب نقص عدة مواد أساسية، أبرزها الأرز، في الأسواق التونسية منذ أكثر من عام.
ونقص الأرز، الذي يدخل ضمن عناصر سلة الغذاء المدعومة من الدولة، يدفع مرضى الأبطن إلى شراء أصناف منه باهظة الثمن أو معجنات مصنعة من الذرة.
وتحدثت سوار مع رويترز بمرارة غطتها بابتسامة متفائلة بمستقبل أفضل عن أنها لم تتقبل مرضها عندما اكتشفته لأول مرة، وكانت تبقى جائعة لأوقات طويلة في المدرسة حتى لا يكتشف أصدقاؤها حساسيتها التي كانت تخجل منها وتعتبرها نقصا.
وبعيون لامعة يحدوها الأمل في ألا تطفئها الحاجة والمرض، قالت سوار “الآن أصبحت أعيش بشكل طبيعي بعد أن تقبلت هذا المرض وتيقنت أنه لا دواء سوى نظام غذائي معين خال من الغلوتين الموجود في القمح والشعير”.
ويوجد أكثر من 100 ألف مصاب بهذا المرض في تونس. ومن أعراضه الإسهال المزمن وسوء التغذية مما يحتم على المرضى اتباع حمية خالية من الغلوتين.
وناشدت سوار السلطات توفير الأرز وتخصيص كميات منه للمرضى قبل مرحلة التوزيع لأن مرضى الأبطن لا يستطيعون تناول كل الأطعمة بينما لدى الإنسان العادي خيارات أخرى في الطعام.
كما تحدثت حسناء عرفاوي والدة سوار عن معاناتها اليومية في البحث عن كيلوغرام واحد من الأرز لابنتها وكيف أنها تتمنى أن “تنشق الأرض وتبتلعها” عندما تعود خالية الوفاض من وجبة لابنتها.
وقالت “أحرم نفسي وأولادي من أي أكلة يمكن أن تشتهيها سوار”.
وتابعت “لقد واجهنا صعوبات في نظامها الغذائي، وكان الأمر متعبا للغاية بالنسبة لنا. إن الطعام الخاص الذي تحتاجه باهظ الثمن وغالبا ما نكافح من أجل توفيره. والمكونات الأساسية مثل الأرز غير موجودة”.
كما أكدت وردة عوني (66 عاما)، وهي أم لمريض بالأبطن، أن مثيلاتها كُثر ويعانين ماديا ومعنويا.
ومنذ أن أصبح الأزر، وهو عنصر غذائي للمصابين بالحساسية من الغلوتين وبديل عن الخبز والمعجنات، غير متاح قبل أكثر من عام، اضطر المرضى وذووهم إلى استخدام أصناف من المعكرونة يصل سعرها إلى سبعة دنانير (ما بين دولارين إلى ثلاثة) للكيس وزن 400 غرام.
أما أيمن الشعباني فلديه جانب آخر مضيء إذ أنه حول معاناته مع المرض ومحنته إلى منحة وصنع منها أملا لنفسه ولأمثاله من المصابين.
وقال “بعدما اكتشفت عدم توافر الأطعمة الخاصة بمرضى الأبطن، فكرت في إمكانية صنع بعض المواد وتسويقها. فطورت منتجا لي وبحثت عن أفكار جديدة لأتحول مع الوقت إلى مختص في هذه الأطعمة، ومختص في تصنيع الحلويات الخالية من الغلوتين لمساندة المرضى أمثالي”.
مسؤولية الدولة
أكد رئيس الجمعية التونسية لداء مرضى الأبطن الدكتور منجي بن حريز أن السوق التونسية شهدت نقصا في الأرز لأكثر من عام، وانقطعت الإمدادات بشكل شبه كامل قبل أكثر من شهرين.
وقال لرويترز إن الجمعية وجهت نداء لوزارة التموين لتزويد المرضى بالأرز لما له من أهمية كبيرة بالنسبة لهم.
وأضاف أن الجمعية اقترحت حلولا تشمل إعطاء أولوية الإمداد بالأرز للمصابين للمساهمة في حماية صحتهم ودرءا لمخاطر استهلاك مواد تحتوي على الجلوتين الذي يؤدي إلى تدهور حالتهم الصحية.
ونفت الحكومة أن يكون النقص ناجما عن أزمة في المالية العامة، مع تعثر المحادثات بشأن خطة إنقاذ أجنبية وتحذير وكالات التصنيف الائتماني من أن تونس قد تتخلف عن سداد ديونها السيادية.
ومع ذلك، قال اقتصاديون ومحللون سياسيون والاتحاد العام التونسي للشغل، وهو أكبر منظمة نقابية تونسية، إن الحكومة تؤجل أو توقف واردات السلع المدعومة للمساعدة في التغلب على عجز الميزانية البالغ خمسة مليارات دولار على الرغم من المتاعب التي يعاني منها التونسيون.
وقال بن حريز إنه ليس من المتوقع أن تقوم أي سفينة بتفريغ حمولتها من الأرز حتى ديسمبر كانون الأول، وإن المخزونات المملوكة للدولة نفدت بالفعل.
من جانبه، حمل حسام سعد عضو منظمة (أليرت) المسؤولية للدولة التونسية التي اعتبر أنها تخلت عن دورها الاجتماعي.
وقال “الدولة بصدد رفع الدعم بطريقة غير مباشرة عن المواد الأساسية التي تشمل الأرز، فإما يكون ناقصا في الأسواق أو يرتفع سعره إلى ثلاثة أمثال”.
وأوضح أن تونس صرفت على دعم المواد الأساسية في الربع الأول من العام أقل بنسبة 90 بالمئة من نفس الفترة من العام الماضي، وتراجع الدعم من 400 مليون دينار في 2022 إلى 40 مليونا في 2023.
وأرجع سعد نفاد الأرز من السوق التونسية لسببين، الأول يتمثل في أزمة عالمية، والثاني في الأزمة المالية والهيكلية لديوان التجارة التونسي الذي أصبح غير قادر على استيراد الأرز بطريقة طبيعية.
تقول سوار بصوت مخنوق “مؤلم جدا ألا تجد ما تأكله في دولة لا تعتبرك أصلا موجودا”.