ارتفعت وتيرة تذبذب وفرة المياه الصالحة للشرب في تونس خلال الموسم الحالي، وسط توقعات لخبراء بأن تعيش البلاد اعتبارا من الصيف المقبل، أزمة مائية كبيرة.
ونهاية مارس الماضي، أعلنت وزارة الفلاحة التونسية ولأول مرة، تقسيط توزيع الماء الصالح للشرب حتى نهاية سبتمبر المقبل.
وبدأ قطع الماء ليلا في عديد أحياء تونس العاصمة، منذ نهاية مارس الماضي، ضمن نظام لجدولة توزيع المياه على مختلف إنشاء البلاد، ولتوفير الاستهلاك.
وفي بيان رسمي قالت وزارة الفلاحة، إن “البلاد تبدأ رسمياً نظاماً مؤقتاً للتزود بالمياه الصالحة للشرب، وتمنع استعماله في الزراعة وسقي المناطق الخضراء وتنظيف الشوارع وغسيل السيارات، بسبب موجة الجفاف الحادة التي خلفت سدوداً شبه فارغة”.
وهدّدت الوزارة المخالفين بغرامات مالية، وأحكام بالسجن قد تصل إلى نصف عام؛ ورغم الأمطار التي شهدها الأسبوع الأول من أفريل الحالي، فإن نسبة امتلاء السدود لم تتجاوز 31 بالمئة.
تحت خط الفقر المائي
الأستاذ الباحث في الجامعة التونسية وخبير تحلية المياه حمزة الفيل، قال إن “وضعية الماء في تونس لها سنوات من الأزمة”.
وأضاف الفيل في تصريحات للأناضول: “لنا أكثر من 20 سنة تحت خط الفقر المائي (500 م3 /فرد)، النسبة في تونس هي 350 م3، وفي هذه الفترة يمكن أن يكون المعدل 300 م3 فقط”.
وأوضح: “سبب المشكلة، أن تونس خلال 7 أعوام مرت بسنة واحدة ممطرة، والبقية كان الجفاف أو النقص في الأمطار هو سيد الموقف”.
“نسبة امتلاء السدود الآن أقل من 30 بالمئة.. والأمطار الأخيرة لم ترفع النسبة في السدود الكبرى.. قرار تقسيط الماء هو قرار متأخر وغير موفق، ولم يكن قرارا كاملا، لأنه اتخذ فقط في خصوص الماء الصالح للشرب”.
ويرى الفيل أنه “كان من الأفضل إصدار قرار حالة الطوارئ المائية، وقرارات في مستوى الفلاحة وإعطاء فرصة للناس للتأقلم مع الوضعية الجديدة”.
وزاد: “عديد الفلاحين يشترون الماء من الدولة، وكان عليها أن توضح لهم ما يزرعون وما لا يزرعون.. في محاولة لتجنب الزراعة المستهلكة للمياه بشكل أكبر من غيرها”.
امتلاء السدود أقل من الثلث
من جهته، أكد المسؤول السابق في وزارة الفلاحة في قطاع المياه، محمد صالح ڨلايد، ما ذهب إليه الباحث حمزة الفيل، بالقول “الوضع صعب منذ سنوات وازداد صعوبة بعد 2020، نظرا لانحباس الأمطار لأكثر من ثلاث سنوات”.
وأضاف ڨلايد في تصريحات للأناضول: “جاءت سنة ممطرة فقط عام 2019 حيث امتلأت السدود بنسبة 64 بالمئة، ولكن الآن نحن في وضع صعب جدا.. 700 مليون م3 في السدود أي بنسبة امتلاء 30 بالمئة”.
واعتبر أن “تونس أمام مؤشرات صعبة، خاصة وأننا على أبواب موسم الصيف وموسم الأمطار ما يزال فيه فقط شهر أو شهر ونصف”.
غياب الحوكمة
الباحث حمزة الفيل يرى أن الجفاف وحده لا يفسر اشتداد الأزمة المائية في تونس.
وتابع: “هناك الجفاف وهناك سوء الحوكمة فنسبة فاقد الماء في الشركة التونسية لاستغلال توزيع المياه (الشركة الوحيدة التي توزع الماء الصالح للشراب في تونس)، تقدر بـ 33 بالمئة وفي الفلاحة تفوق 40 بالمئة”.
وأكد الفيل أنه “لا بد من العمل على التقليل من نسبة ضياع الماء.. ولا بد من تركيز فرق مختصة للتدخل السريع لإصلاح أي تسرب للماء.. والأهم ليست هناك سياسة ترشيد استهلاك الماء على مستوى الدولة”.
“لم يقع تنظيم استغلال الفلاحة للماء التي تستهلك وحدها نسبة 80 بالمئة من المياه في تونس، ولم يقع التشجيع على الذهاب إلى الري الذكي ونصف الذكي لتقليص الاستهلاك بنسبة 50 بالمئة أو أكثر”.
السياحة تستهلك 2 بالمئة من المياه
وزير السياحة محمد المعز بلحسين، لفت خلال زيارة إلى خلال زيارة الي جزيرة جربة (ولاية مدنين)، خلال وقت سابق من الشهر الجاري، إلى أزمة المياه.
وقال في تصريحات للإعلاميين: “المواصفات الجديدة لتصنيف النزل تعتمد إجبارية التدقيق في استهلاك المياه بالنزل وإجبارية توفرها علي تجهيزات للتقليص في استهلاك الماء، إلى جانب إشعار الزوار والسياح بذلك”.
وأعلن بلحسين انطلاق الحملة التوعوية للاقتصاد في المياه، لدعم مجهودات الدولة لمقاومة الشح المائي، ودعما لقرار وزير الفلاحة الأخير القاضي بمنع استعمال المياه في المساحات الخضراء.
وأوضح بلحسين أن “هذه الحملة تأتي في إطار انخراط القطاع السياحي في الاقتصاد بالمياه”، مشيرا أن استهلاك قطاع السياحة للمياه لا يجاوز 2 بالمئة.
تحلية مياه البحر
المسؤول السابق في وزارة الفلاحة محمد صالح ڨلايد، أكد أنه كان على تونس منذ سنوات إرساء نظام تصرف في المخزون الباطني والسطحي، والذهاب لاستعمال مياه أخرى غير تقليدية مثل المياه المحلاة من الباطن أو البحر.
وقال رلايد “المواجل (آبار تحفر تحت الأرض وتبنى وتخزن فيها عادة مياه الأمطار من سطوح المنازل)، تعتبر رافدا من روافد جمع مياه الأمطار، ولابد أن نوظفها أحسن توظيف لأن الماء هو محرك الاقتصاد”.