ملعب الطيب المهيري بصفاقس.. الأحد 8 فيفري 2004.. ربع نهائي كأس إفريقيا للأمم بين الجزائر و المغرب.. المغرب يمطر شباك الجزائر بثلاثية ويمر إلى نصف النهائي.. لكن ما بقي من هذه المباراة هي أحداث العنف و التدافع التي عمت الجمهور الجزائري و سقوط جرحى وحديث عن وجود موتى نفته وزارة الداخلية وقتها. أحداث كادت تعصف بالعلاقات التونسية الجزائرية وزادت العلاقات الجزائرية المغربية توترا، والحمد لله أن حضرت الحكمة لتتصدى إلى النزيف و توقفه.
في الدورة نفسها، أمم أفريقيا 2004 بتونس، قدمت نيجيريا احتجاجا رسميا بعد عزف نشيد خاطئ لمنتخبها قبل انطلاق مباراة نصف النهائي ضد تونس واعتبرت ذلك عملية استفزازية مقصودة، وطالبت بالإعتذار ونالته و كفى الله المؤمنين شر القتال. تواصلت الدورة ومازلنا إلى اليوم نتحدث عن نجاحها تنظيميا.
أكتفي بهذين الحدثين في تذكيري ببعض ما حصل في كان 2004 بتونس، لن أتحدث عن التعطيلات في النقل ولا عن محدودية عدد المسالك المؤدية إلى الملاعب ولا عن الاكتظاظ والزحام أثناء مغادرة ملعب رادس بعد مباريات المنتخب التونسي.
رغم كل هذه الهنات أشدنا بالتنظيم و بالفعل كان التنظيم جيدا حين نضعه في إطاره الإفريقي الذي يتوفر على إمكانيات محدودة. أما إذا ما قارناه بما يوجد في أمم ذات إمكانيات كبيرة فإنه يصبح أقل من المتوسط حتى لا نقول شيئا آخر.
و لقد لاحظت وقتها أنا في لجنة الإعلام للكان كم الاحتجاجات التي تصلنا من الصحافيين الأوروبيين الذين لم يعجبهم شئ عكس الصحافيين الأفارقة الذين أغرقونا شكرا وثناء وهذا يلخص جوهر المسألة. حين نقول إن التنظيم ناجح يجب أن نوضح مقارنة بماذا، وحين نحكم بأنه فاشل يجب أيضا أن نضبط مقياس الحكم.
ولست أدري لم تصر بعض الأصوات في تونس على الحكم بأن تنظيم كان الكاميرون كان فاشلا. هي تصر على الموقف دون أن تكون موجودة على عين المكان. هكذا تصدر أحكامها عن بعد آلاف الكيلومترات متورطة بكل غباء في حملة إعلامية غربية انطلقت قبل انطلاق الكان و هندس لها جياني إنفانتينو وعصابته بكل إحكام. كان لا بد لرئيس الفيفا أن يشوه الكان بأي طريقة فخرج في آخر المعركة مهزوما هو وكل من والاه من بوّاسي الأيادي الأذلاء الذين دأبوا على الإنحناء إلى عصابة مازالت تعتقد أن إفريقيا مستعمرة من مستعمراتهم عليها واجب الطاعة. لكن هيهاتِ، لقد نسي أمثال هؤلاء الأغبياء أن لإفريقيا مفاخر كانت مساهمة كبرى في صنع أمجادهم من شاكلة إيتو وروجي ميلا ودروغبا القادم على مهل. هؤلاء كانت كلمة إفريقيا وحقها في أن تتصرف في شأنها بإرادته أمر يعلو على الجميع وأولهم هذا المتلاعب بكرة القدم العالمية إينفانتينوالذي نعرف كيف جاء و لم جاء و لصالح من يعمل، لكن ليكن واثقا أن إفريقيا ستبقى شوكة في حلقه إلى أن يتعلم كيف يحترم حقها وطموحها وإرادتها و يرفع يده عنها و يكف عن محاولات السيطرة عليها و تطويعها لمشيئة من جاء به إلى كرسي الفيفا.
لقد وجب علينا في تونس أن نستفيد وأن نلتزم بكل المبادئ التي تحفظ حرمة القارة أما حكاية التدافع الذي نتج عنه ضحايا وعزف النشيد الموريتاني خطأ في كان الكاميرون و الذي يستشهد به البعض لتأكيد الفشل الكمروني في تنظيم الكان فإننا نحن “التوانسة” آخر من يحق لنا الإستشهاد به بعد أن ذكرتكم في بداية الحديث أننا كنا سباقين في مثل هذه الأمور والحمد لله على السبق.
أختم بملاحظة أثارت اهتمامي و ضحكي و بكائي، شاهدت واحدا من الزملاء يتحدث عن الطرقات المهترئة في المدن الكاميرونية، لم أصدق أنه كان يتحدث عن الطرقات المهترئة، ترى هل أن بضعة أيام قضاها بعيدا عن تونس أنسته أن طرقاتها لم تتذوق طعم “البغلي” منذ أكثر من عشر سنوات؟
لم يكن بودي أن أذكر هذا لكنني تعلمت أن أقول الحق على نفسي و أن لا أهضم حق الآخر إن كان له حق.و من حق الكاميرون أن نرفع لها القبعة و نشكرها على ما وفرت من إمكانيات أمنت سير الكان و مرورها إلى شاطئ الأمان رغم الحملات والأكاذيب و التشويه المتعمد ورغم كورونا و رغم قلة حياء البعض من المفترين وعلى رأسهم مدرب غامبيا البلجيكي توم سانفيت جار إينفانتينو الذي خرج ليحدثنا قبل لقاء فريقه مع الكاميرون أنه يبيت في غرفة واحدة مع ستة لاعبين، هذا شأنك أن تبيت مع ستة أو عشرة، أما نحن فإننا نعرف أن ترتيبات الكاف فرضت كعادتها أن تخصص غرفة لكل لاعبين اثنين، قمة التجني.. الرجل استفاق والكان على مشارف النهاية أنه يبيت مع ستة في غرفة واحدة و بالتحديد قبل مواجهة الكاميرون!!! استفاق اخيرا من سكرته..أليست هذه قلة معروف من مخلوق قضى أكثر من عشرين سنة يقتات من خير إفريقيا؟
واصلي إفريقيا فلقد استمتعنا بالكان و إلى لقاء متجدد في الكوت ديفوار نعيشه كما نريد بإمكانياتنا وثقافتنا وتقاليدنا وطقوسنا و ليذهب كل من لا يعجبه ذلك إلى الجحيم.