لسعات النحل التي طالت الشابة التونسية هالة بوبكر منذ سنوات، قدحت في ذهنها فكرة لصناعة آلة تستخرج بها “السم” من تلك الحشرة، الذي ذكرت دراسات طبية أنه يمكن تحويله إلى علاج لعدد من الأمراض.
هالة البالغة 26 عاما، أطلقت مشروعها “نحّول” لإنتاج العسل منذ عام 2017، لكنها لم تبدأ في التعرف على مزايا “سم النحل” وفوائده، إلا بعدما تعرضت لحساسية منه قبل عامين فقط.
وخلال لقائها مع الأناضول، شرحت بوبكر كيف وصلت إلى فكرة الآلة والمراحل التي مرت بها وجهودها لتوثيقها من السلطات التونسية، إضافة إلى كشفها عن خططها للمستقبل ونصائحها للشباب.
والعلاج عبر “سم النحل” واحد من طرق الطب القديم، عرفته عدد من الدول العربية بينها اليمن ومصر، وكان في السابق يجرى بطرق بدائية في المزارع، أما اليوم فقد تطور وأصبح يتبع طرقا علمية حديثة.
اللسعة المعجزة
تقول هالة: “سنة 2018، تعرضت لعدة لسعات نحل أصابت وجهي وجسدي بإحمرار شديد، ما جعلني أنتقل إلى المستشفى وأجري تحاليل، لأكتشف لاحقا أني أعاني من حساسية للنحل”.
لم يكن أي من أفراد أسرة هالة مختصا في المجال الفلاحي أو في تربية النحل، لكن حبها للمغامرة والتحدي دفعها لاقتحام عالم “سم النحل” واكتشافه والإطلاع على بحوث ودراسات بشأنه.
وتضيف أنها في عام 2019، دعاها مربي نحل صديق لوالدها إلى المشاركة في مؤتمر متعلق بمجال اهتمامها، عقد حينها بمدينة نابل شرق تونس، وهناك تعرفت على أخصائيين وخبراء في العلاج بسم النحل.
وفي عام 2020 توصلت دراسة أسترالية نشرت في مجلة “إن بي جي نيتشر بيرسجين أنكولوجي” إلى “قدرة سم النحل على قتل خلايا سرطان الثدي، مع تأثير ضئيل على الخلايا السليمة”.
واختبرت الدراسة، التي أجراها “معهد بيركنز هاري للأبحاث الطبية” وجامعة غرب أستراليا، تأثير السم على الأنواع الفرعية السريرية لسرطان الثدي، بما في ذلك سرطان الثدي السلبي الثلاثي، وفقا لبيان على موقع المعهد.
آلية الاستخراج
وتحكي هالة عن طريقتها لاستخراج سم النحل، فتقول: “بعد ليلة كاملة من ترك جهاز استخراج السم في بيت النحل، أتجه إلى مخبري وأعقمه بشكل كامل لكي أقوم بالعملية”.
وتتابع: “أترك الجهاز، وهو عبارة عن لوحة مستطيلة الشكل تعلوها أسلاك منتظمة ومتوازية في شكل أفقي، توضع تحتها بلورة (لوح زجاج) لجمع إفرازات النحل والسم في الآن ذاته”.
وبعد تشغيل الجهاز، تتابع: “في هذه المرحلة يتعرض النحل إلى صعقات خفيفة جدا من التيار الكهربائي بمجرد مروره فوق الأسلاك الموزعة على أرضية الآلة، ما تجعله يفرز سمه دون أن يلحق به الضرر”.
ورغم أن سم النحل كان يستخدم ضمن الطب الشعبي، فقد أصبح علاجا علميا، إذ بات من الواجب اتباع قواعد علمية لتحديد كيفية العلاج حسب نوعية المرض، ثم تحديد عدد الجلسات واللسعات وأماكنها.
كما لا يسمح المختصون بهذا النوع من العلاج للجميع، إذ يمنعونه عن مرضى الحساسية العامة والضغط المنخفض والحوامل والمرضعات، وعادة لا يستطيع أي شخص ممارسة العلاج بسم النحل دون دراسة أكاديمية وخبرة.
علاقة وطيدة
لم يعد مشروع هالة أمرا ثانويا في حياتها، بل أصبح يشغل كل وقتها وتسعى دوما إلى تطويره، حتى أنها باتت ترتبط به بعلاقة وطيدة، فتقول: “أتعامل مع النحل مثل أبنائي الصغار، أفهم لغتهم وأمرض لمرضهم”.
وتسعى هالة التي تملك شهادة جامعية إلى الحصول على “براءة اختراع” لجهازها الخاص باستخراج سم النحل، وذكرت أنها قدمت وثائقها وكل ما يلزم لذلك إلى الجهات المختصة، وتنتظر قرارها.
كما تأمل مربية النحل التونسية أن تدعم دولتها الشباب، خاصة أن الدورات التدريبية في بعض المجالات على غرار اختصاصها تتطلب تكلفة باهظة الثمن، ما لا يستطيعه كثيرون.
يذكر أن الوكالة التركية للتعاون والتنسيق “تيكا” قدمت في ماي 2020 لفلاحين تونسيين يعملون بتربية النحل وإنتاج العسل دورة تدريبية ومستلزمات بهذا المجال.
ونفذت “تيكا” التركية العديد من المشروعات الزراعية والحيوانية في مناطق عدة من تونس، إضافة إلى تقديمها العديد من الورش الإنتاجية في أكثر من 10 قطاعات.
مرحلة التطوير
وعن خططها للمستقبل، تقول الشابة: “ما زلت بمرحلة تطوير جهازي لاستخرج سم النحل، وسأسافر لاحقا إلى مصر لدراسة استعمالات سم النحل وتحويله إلى علاجات”.
وتطالب هالة الشباب بعدم الإحساس بالإحباط، والمحاولة والسعي لتنفيذ أفكارهم، حتى لو كانت مشاريع بسيطة، ومحاولة تطويرها والتغلب على كل الصعوبات الإدارية التي قد تعترض طريقهم.
وهنا أشارت إلى حادثة تعرضت لها قبل عامين، إذ خسرت كل نحلها الذي كانت تربيه، لتختتم حديثها: “حينها لم أصب باليأس، بل تابعت خُطايا وبدأت من جديد، حتى عاد مشروعي إلى الحياة”.
ويشهد مجال تربية النحل إقبالا في تونس، في ظل أزمة اقتصادية حادة فاقمتها تداعيات جائحة كورونا ثم الحرب الروسية الأوكرانية المتواصلة منذ 24 فيفري 2022، فضلا عن استقطاب داخلي حاد جراء أزمة سياسية.