في وسط حديثي مع صديق تونسي تعالى في الخلفية صوت فنانة فقال لي : «هاذي درة زروق»
فوجدت نفسي أقول له تلقائياً: «آه درة بتاعتنا»
رد مستغرباً: «كيفاش ولّات درة بتاعتكم؟!»
فكّر في الأمر قليلاً..
فكّر كم صدّرت تونس من أسماء حول بقاع العالم..
أسماء تشكلت في مجتمعات وحضارات عدة، أثرت فيها وتأثرت بها..
فكّرت!؟.. عدّدت الأسماء!!؟
لا تنسى الفيلسوف ابن خلدون في علم الاجتماع و الاقتصاد و في التخطيط العمراني، ولا تغفل عن إرث أبو القاسم الشابي الذي لم يُفهم أثره إلا بعد رحيله بسنوات.
ولا تقل لي إنك لا تتذكر الطبيب أحمد بن الجزار أو القائد حنبعل أو مؤلف معجم لسان العرب إبن منظور وممكن أن نزيد!!
الآن فكر بوجهة نظر أخرى.. كم هضمت مصر من ثقافات وأسماء من شتى بقاع الأرض
ولم تتأثر الهوية المصرية؟
بل تحول كل مؤثر لمتأثر بالنكهة المصرية ويوضع عليها الطابع المصري أما ليرتقي بالفكرة ويصل بها إلى حد الكمال أو يفقدها هوايتها لتصل لحد التشويه..
فالإمام الشافعي الذي تتلمذ على موطأ ابن مالك غيّر من مذهبه بمجرد ما وطأت قدماه أرض المحروسة..
وعلى النقيض لم يؤثر الاحتلال الفرنسي على لهجتنا العامية ولم يجعل ألسنتنا نحن المصريين تلفظ ال (الأغ و الأوو و الوا) فمنطقة سُميت في الاحتلال باسم (Beau Lac Du Claire) بقدرة قادر شوّهت لتصبح (بولاق الدكرور).. ومين دكرور ده أساسا؟!
وإذا ذُكرت العامية المصرية ذًكر بيرم التونسي وإسمه الحقيقي محمود بيرم الحريري – إللي هو بيرم التونسي و بتاعنا برضو – الشاعر الذي قال عنه أمير الشعراء أحمد شوقي «أخشى على الفصحى من بيرم» لما صاغه بحرفية كبيرة من أبيات للشعر العامي وصلت لقلوب الناس من خلال أغاني أم كلثوم و مسرحيات سيد درويش لنبقى إلى اليوم نشدو بأروع ما ِقيل عن الشعب المصري: « أنا المصري كريم العنصرين بنيت المجد بين الأهرمين»..
فلم يكن بيرم فقط من فطاحلة الشعر بل كان مؤرخا للعامية المصرية ليدخل في النسيج المصري، متفّهاً من قرار تجنيسه بالجنسية المصرية ليقول عليها «ما هي إلا ورقة» ويفارق الحياة في مطلع عام 1961 فتبكيه عيون المصريين والتونسيين ولا يحتمل صديقه وخليله الموسيقار زكريا أحمد الصدمه فرحل من بعده بأيام.
مصر هضمت بفنها ورياضتها و ثقافتها كمّا هائلا من الثقافات من حولها فدخلت في نسيجها لأبعد حد، لنؤكد مرة أخرى أن عفوية الرد على صديقي التونسي وتلقائيته كانا في محلهما..
أيوة درة بتاعتنا..
أيوة هند صبري بتاعتنا..
أيوة وليد أزارو بتاعنا..
أيوة علي معلول بتاعنا..
أيوه فرجاني ساسي بتاعنا..
فريد الأطرش بتاعنا..
حميد الشاعري بتاعنا..
حتى إستيفان روستي بتاعنا..
وكذلك نجيب الريحاني بتاعنا..
ماري منيب بتاعتنا..
وردة الجزائرية بتاعتنا..
لطيفة العرفاوي – إللي هي لطيفة يعني – بتاعتنا..
ذكرى بتاعتنا كمان..
وعدّ غيرهم كتير..
«بتاعنا» ليس حبّا في التملك – فكلٌ فخورٌ بموطنه ونشأته ولكن «بتاعنا» من تأثيره في تشكيل وجدان الشعب المصري..
«بتاعنا»لأننا «حسّيناك حدّ منّنا»..