رغم أن البذور الأصلية تتميز بقيمتها الغذائية العالية وبتأقلمها مع المناخ المحلي، إلا أن الفلاحة في تونس تعتمد على البذور المستوردة.
وأمام هذا الواقع، يسعى الفلاح التونسي حافظ كرباع إلى استعادة الأصناف القديمة من البذور والمحافظة على الموروث الجيني الأصيل.
كرباع، وهو صاحب ضيعة في مدينة بني حسان من ولاية المنستير شرق تونس، يقول في تصريح لوكالة الأناضول إنه يبادر منذ فترة بتجميع البذور التونسية الأصلية، ويسعى لتكوين فريق مع زملائه الفلاحين لتحقيق هذا الغرض.
إرادة وحب للوطن
لا يقتصر نشاط كرباع على العمل العادي بغرض الربح، بل يقول إن ما يقوم به “نابع من إرادة وحب للوطن”.
ويتحدث عن تواصل و”تفاعل” بينه وبين عدد من الأصدقاء من الوطن العربي ككل، لجلب بذور قمح تونسية استعملت في دول أخرى”.
وحسب كرباع، فإن “بعض العيّنات متوارثة من أراضي هنا في الساحل التونسي (شرق)، بالإضافة إلى بذور من الجنوب والشمال، كما توجد عيّنات أخرى جلبها لنا أصدقاء من المغرب والجزائر وليبيا”.
ويتواصل وزملاؤه من الفلاحيم مع البنك الوطني للجينات، حيث “تُجرى تحاليل مخبرية للتثبّت من سلامة البذور التي تم استرجاعها والتأكد من خلوّها من أية شوائب أو نقلها لأمراض قد تضرّ لاحقًا سواء بالتربة أو بالمحاصيل”.
ويشدد كرباع على أنه يعمل علنًا وهدفه الوحيد “المحافظة على بذور تونس الأصلية لا غير”، وأنه يقوم بذلك “دون سعي للربح المادي”.
وبالإضافة إلى تجميع البذور، يعمل أيضًا على “استرجاع النبات والشتلات والأشجار التونسية الأصلية”، كما أن هدفه مستقبلاً هو “استرجاع فصائل حيوانات تونسية”، وفق قوله.
عراقيل
لكن رحلة البحث عن البذور الأصلية التي بدأها كرباع، لم تكن خاليةً من العراقيل التي واجهته بين وقت وآخر.
وعن ذلك يقول: “إدارة الفلاحة بمحافظة المنستير منعتني منذ عامين من منح فلاحين آخرين بذورًا أصلية، بحجة أن القانون يمنع تداول بذور أصلية غير مسجلة في السجلّ المحليّ مخافة انتقال الأمراض عبرها”.
لكنّ كرباع أكد أن “ذلك القانون لا يعني الفلاحين بل أصحاب المنابت والمُوَرّدين للبذور”، وأضاف: “أنا متمسّكٌ بالقانون الدولي الذي يخوّل لي بيع وتداول البذور المحلية الأصلية”.
قيمة غذائية عالية!
إلياس باباي، دكتور وباحث بالبنك الوطني للجينات، يعتبر ما يقوم به بعض الفلاحين على غرار كرباع من خلال السعي وراء تجميع واستعادة البذور الأصلية بادرة طيبة.
وأشار في حديث للأناضول، إلى أنّ “الأصناف القديمة تتميز بنسبة عالية من البروتينات وهي جيدة من حيث القيمة الغذائية ومقاومة الأمراض (أمراض التربة) كما أنها قادرة على التأقلم بحسب نوعية التربة والمناخ المميز لتلك المنطقة”.
وبحسب باباي فإنّ “القمح يمثل أكبر فلاحة في تونس، والتونسي يعدّ من أكثر المستهلكين في العالم للحبوب”.
ويوضح أنه “تتم زراعة القمح الصلب على الأغلب بنسبة 80 بالمئة في تونس، فيما يتم استيراد 20 بالمئة من الخارج، على عكس القمح الليّن تمامًا، حيث يُستورد بنسبة 80 بالمئة من الخارج، ويزرع بنسبة 20 بالمئة منه محليًا).
ويشرح باباي أنه “يوجد 3 أنواع من البذور الأصلية التي تتم زراعتها في تونس، كما تتم المحافظة عليها في بنك الجينات (مركز حكومي مخصص لحفظ عيّنات البذور).
وبحسب باباي يختص النوع الأول بالبذور الأصلية، حيث يعدّ قديمًا وأصليًا كلّ صنف زرع في تونس لأكثر من 50 سنة”.
والنوع الثاني من البذور فيضمّ الأصناف المحسّنة، وفيها أيضا نوعان، منها ما يتم تحسينه وتعديله جينيًا داخل مخابر البحث التي يتابعها ويشرف عليها باحثون تونسيون، ويتم فيما بعد تجربتها، وإذا ثبت تأقلمها مع التربة والمناخ يتم اعتمادها من قبل الفلاحين”.
أما الصنف الثالث، بحسب باباي، فهو “المحسّن المستورد عبر شركات تجلب البذور التي تعند وزارة الفلاحة في تونس إلى تجربتها، وإذا ثبت أنها ستعطي جودة وإنتاجية، يتم بيعه وتوزيعه على الفلاحين”.
البذور المحسنة غير مضرة
وفي حديثه، أشار باباي أيضًا إلى أنه “لا يسمح للفلاحين بيع البذور الأصلية، وإنما توضع فقط تحت رقابة وزارة الفلاحة”.
وحسب باباي فإن “الأصناف المحسّنة هي الأكثر مبيعًا ذلك أنها ذات مردودية وإنتاجية أكبر، وبالتالي ربح ماديّ للمزارع”.
ولفت إلى أنّ “ما يضرّ التربة هو الأسمدة الكيماوية، فهي أكبر خطر على الإنسانيّة، أما الأصناف المحسّنة من البذور فهي غير مضرّة كما يتمّ الترويج له”.
ووفق المصدر ذاته فإن “البنك الوطني للجينات يحافظ على أكثر من 25 ألف عيّنة من البذور الأصلية، بينها حوالي 6 أو 7 آلاف تمّ استرجاعهم من بنوك أجنبية في المكسيك والتشيك وأستراليا والهند والولايات المتحدة وألمانيا”.