بعد مرور أكثر من عامين على بدء جائحة فيروس كورونا التي أربكت العالم بأسره بما رافقها من إجراءات استثنائية أثرت على جميع مناحي الحياة تقريبا، بات التساؤل الذي يطرح نفسه هو، إلى متى سوف تستمر الجائحة؟ وهل أصبح التعايش مع الفيروس ممكنا بعد حملات التطعيم الأضخم في التاريخ؟.
ويقول الباحثان تيريز رافاييل ووسام فاضلي في تقرير نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء إن ميزان القوة بين الإنسان والفيروس آخذ في التحول.
ورأى الباحثان أنه بما أننا أصبحنا أفضل تسلحا ضد فيروس كورونا في ظل النتائج الإيجابية التي توفرها اللقاحات، “فلم نعد بحاجة إلى الاختباء في انتظار مرور موجة فيروسية. وهذا يعني أنه حان الوقت لتغيير استجابتنا لكوفيد 19”.
وقال الباحثان إنه مع دخولنا مرحلة “التوطن” بخصوص هذا الفيروس، هناك ارتباك حول ما ينبغي أن يبدو عليه نهج ما متجدد في هذا الشأن. ودعا رئيس الوزراء الأسبانى بيدرو سانشيز يوم الاثنين إلى عقد مناقشة على مستوى أوروبا حول تطوير نوع للاستجابة على غرار التعامل الحالي مع الانفلونزا على سبيل المثال . ومددت المملكة المتحدة قواعد “الخطة ب” لمدة ثلاثة أسابيع أخرى، لكنها خففت من سياساتها المتعلقة بالاختبارات والسفر، ويضغط رئيس الوزراء بوريس جونسون لرفع القيود القائمة.
ومن السابق لأوانه إعلان النصر بالطبع، فالإصابات ترتفع بشكل حاد، ولا يزال هناك عدد مقلق من الوفيات الناجمة عن كوفيد.19- وبالإضافة إلى ذلك، هناك العديد من المناطق التي تتعرض فيها الخدمات الصحية لضغوط شديدة.
ومع ذلك، فإن الصورة الشاملة للجائحة تبعث على التفاؤل. فقد بلغت الإصابات بمتحور أوميكرون في جنوب أفريقيا ذروتها بعد حوالي شهر من بدء الموجة. وتؤكد البيانات الواردة من جنوب أفريقيا وأماكن أخرى المؤشرات المبكرة على أن المتحور الأحدث، وإن كان أكثر قابلية للعدوى، يسبب أعراضا مرضية أقل حدة، مع انخفاض مستويات دخول المستشفى، وقصر مدة الإقامة في المستشفيات، وقلة الوفيات.
أحد التفسيرات هو أن أوميكرون يبدو أنه يؤثر على الجسم بشكل مختلف عن المتحورات السابقة. وتشير دراسة من كلية الطب في جامعة هونغ كونغ إلى أن أوميكرون قد يستنسخ نفسه في الرئة بدرجة أكثر بطئا من متحور دلتا، الأمر الذي من شأنه أن يمنح الجهاز المناعي المزيد من الوقت للاستجابة.
كما أن المناعة الطبيعية مسؤولة أيضا عن الكثير. وفي الدول التي كانت فيها معدلات الإصابة مرتفعة نسبيا في الموجات السابقة، يبدو التعرض لأعراض مرضية خطيرة جراء الإصابة بأوميكرون أقل بكثير.
وتؤكد دراسة نشرتها كلية لندن الامبراطورية يوم الاثنين، أن أبحاثا سابقة تشير إلى أن حتى المناعة الممنوحة من فيروسات كورونا التي تسبب نزلات البرد قد تساعد فى تعزيز الدفاعات ضد كوفيد .19 ولكن الأهم من ذلك هو أن اللقاحات (وخاصة الجرعات المعززة) أدت إلى انخفاض كبير في مستويات العلاج بالمستشفيات وكذلك الوفاة. والواقع أن الأشخاص غير المطعمين يمثلون الغالبية العظمى من الحالات الخطيرة في المستشفيات بين المصابين بكوفيد – 19 في كل مكان.
ويساعد هذا على تفسير السبب في أن دولا مثل الصين، التي انتهجت سياسة “صفر كوفيد” واستخدمت لقاحات ذات فعالية أقل، أصبحت الآن في وضع أسوأ مع انخفاض مستويات المناعة.
إن قدرة أوميكرون على إصابة مجموعة واسعة من أنواع الحيوانات التي يتعامل معها البشر بانتظام، مثل القطط والكلاب والغزلان، جعلت السياسات الصارمة التي تركز على تقييد السلوك البشري عقيمة بشكل أكبر.
ويتساءل الباحثان، ما هي القيود التي نحتاجها إذن ونحن ننتقل إلى العصر الذي بات الفيروس فيه متوطنا؟ ويقولا، دعونا ننظر أولا إلى ما يمكننا التخلص منه.
فقد خفضت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة العزل الذاتي من 10 أيام بعد اختبار إيجابي إلى خمسة أيام.
وأوضحا أن قواعد العزل الذاتي القديمة لا معنى لها بالنسبة لفيروس تتشابه قوته مع نزلات البرد الشائعة في معظم الحالات. إنها سياسة مكلفة للغاية، خاصة عندما نفكر في المعلمين والعاملين في مجال الرعاية الصحية الذين يجب أن يبقوا في المنزل بعد إجراء اختبار إيجابي، حتى عندما لا تكون لديهم أعراض ويمكنهم العمل بأمان في ظل ارتداء الكمامات.
وينبغي أن تكون التوجيهات الحكومية في الأماكن التي ترتفع فيها معدلات التطعيم والمناعة الطبيعية بسيطة، فأي شخص تظهر عليه الأعراض يبقى في المنزل وهو مريض. ومن الحكمة أيضا أن يرتدي الأشخاص كمامات في وسائل النقل العام وفي الأماكن العامة المزدحمة، وخلال ذروة مواسم الأنفلونزا وإذا كانوا يشعرون بالتعب.
وقد يساعد توفير كمامات عالية الجودة، مثل (إن 95) أو (إف إف بي) ، مجانا في تشجيع استخدامها. كما أن قواعد العمل من المنزل والدراسة تحتاج إلى إعادة التفكير.
وقد بدأت العديد من الجامعات والمدارس في الولايات المتحدة الدراسة بالتعلم عن بعد، مع النظر في الإغلاق في بعض الدول. وتحمل هذه السياسات تكاليف اجتماعية وأخرى تتعلق بالصحة العقلية واقتصادية هائلة ولم تعد مبررة في أماكن مثل المملكة المتحدة، حيث أصبح لدى حوالي 95% من الأشخاص أجسام مضادة وتلقى 62% منهم جرعة معززة.
وهناك أمران أخران يحتاجان إلى إعادة النظر فيهما في المستقبل القريب، وبالتأكيد ليس في كل مكان.
إحداهما تتعلق بالاختبارات الجماعية. فقد أتاحت المملكة المتحدة اختبارات سريعة على نطاق واسع دون أي تكلفة في وقت مبكر، وهي سياسة ذكية منعت العديد من الإصابات خاصة مع انطلاق موجة أوميكرون. و الحديث عن إنهاء الاختبارات الجماعية في بريطانيا سابق لأوانه، ولكن في نهاية المطاف سيكون من المنطقي تقليصه خلال فترات انخفاض معدلات العدوى، مع الحفاظ على القدرة على زيادة الإمدادات المجانية أثناء موجات التفشي.
والأمر الثاني هو أننا سنحتاج إلى إعادة النظر في مقدار التطعيم الذي يجب القيام به بعد الجرعة الثالثة.
ومع هذا الفيروس الذي تتضاءل شدته وترتفع مستويات الدفاعات الطبيعية ضده، فإنه ليس من الواضح أننا بحاجة إلى إعادة تطعيم السكان بأكملهم بشكل روتيني بعد الجرعة الثالثة. وقد يكون كافيا تقديم لقاحات مخصصة لمتحورات بعينها لمن تزيد سنهم عن 60 عاما وغيرهم من الفئات الضعيفة كل ستة أشهر أو 12 شهرا، مع جعل المزيد من التطعيم اختياريا للآخرين.