ليس ما سأقول من باب الوقوف على الأطلال، ولا من باب النواح على الماضي أو اعتباره أفضل من الحاضر.. لكنني سأقوله لأن في التاريخ عبر ودروس لا بأس أن نقتدي بها متى حتمت الظروف ذلك.
سأعود بكم إلى السبعينات.. وإلى منتخب الارجنتين..
لقد كان حارس المرمى الأول آنذاك هو الصادق ساسي عتوڨة.. عتوڨة كان الاسم الذي لا اختلاف في شأنه.. بل إننا كنا على عقيدة راسخة بأنه لا منتخب دون عتوڨة.. ولا يمكن لنا اصلا أن نتخيل حارس مرمى آخر يعوضه رغم أن اقل حراس ذاك الزمن مستوى هو أفضل من أحسن حارس مرمى من حراس اليوم.. أقولها مع احترامي وتقديري لهذا الجيل.. لكن تلك هي الحقيقة…كان لنا في البطولة حارس مرمى في كل ناد يمكن له أن يكون في المنتخب.. كمال كرية.. عبد الله الطرابلسي.. غازي ليمام.. لمين بن عزيزة.. المنصف طبقة.. المنصف قريش.. أحمد الزياني.. الفرجاني الدرويش.. وكل الآخرين الذين تداخلت أسماؤهم في ذهني.. وكان عتوڨة بين كل هؤلاء هو الكابتن الذي لا أحد ينازعه الزعامة.. . وكان حقا جديرا بها
منتخب دون عتوڨة؟ هذا لا يجوز.. حتى أننا كنا ونحن صغار نتحدث عن حراس المنتخبات الأوروبية فنقول: عتوڨة فرنسا وعتوڨة ألمانيا وعتوڨة انقلترا.. كنا نعتقد أن رقم واحد في كل منتخب هو عتوڨة بلاده..
ولقد أبلى عتوڨة بلاء حسنا في مباريات التصفية المؤهلة لمونديال الأرجنتين وخاصة مباراتي الجزائر ونيجيريا.. نيجيريا كانت وقتها مذبحة للزائرين.. كان مجرد التحول إليها يعد أمرا مرعبا ترتعد له فرائص الأسود..
ضربة جزاء أسطورة المغرب فاراس التي تصدى لها عتوڨة كانت أول باب من أبواب الحلم التي فتحت لنا على درب الأرجنتين..
باختصار.. أقولها ودون مبالغة ودون استنقاص من دور البقية.. ربما ما كنا لنذهب إلى مونديالنا الأول لولا عتوڨة..
ترشحنا في ديسمبر 1977.. وبقيت أمامنا بضعة أشهر للاستعداد.. في تلك الأشهر وقبلها كان عتوڨة دون فريق بعد أن أقصاه المدرب اندري ناجي من النادي الإفريقي وبقي يتدرب دون أن يلعب مع مستقبل المرسى.. ناجي أعطى الفرصة لحارس مرمى شاب اسمه المختار النايلي..
جاء وقت المباريات الاستعدادية للمونديال.. مدرب المنتخب عبد المجيد الشتالي حافظ على عتوڨة في مكانه.. لكن كانت المفاجأة المفزعة.. عتوڨة لم يكن عتوڨة.. بل إنه نزل إلى أدنى ما يمكن له من مستوى في المباراة الودية ضد هولندا في تونس.. الفزع أصاب الجميع.. و الفزع كان يتضاعف حين لا نقدر حتى على تصور منتخب دون عتوڨة.
وحده الشتالي حافظ على هدوئه.. وانطلقت الرحلة نحو الارجنتين عبر فرنسا حيث توقف المنتخب وأجرى مباراة ودية ضد المنتخب الفرنسي انهزم فيها بهدفين لصفر وكان حارس المرمى هو النايلي ولم يكن عتوڨة.. لم نصدق أن ذلك كان يمكن أن يحدث.. لكنه حدث.. اعتقدنا أن الأمر لن يتجاوز حدود الوديات.. لكنه تجاوزها في ذهن وقناعة الشتالي الذي فاجأنا بالنايلي أساسيا في المباراة الأولى ضد المكسيك وإبقاء عتوڨة على البنك ثم واصل معه ضد بولونيا ثم ضد المانيا.. وكان النايلي الذي لم يلعب أكثر من موسم في الأكابر أجمل مفاجأة قدمها الشتالي للجمهور التونسي في مونديال الأرجنتين.. ومعه انتهت أسطورة عتوڨة لكن تفاصيلها بقيت خالدة في الذاكرة…وانطلقت قصة حارس آخر عملاق اسمه المختار النايلي لكنها لم تدم طويلا..
قد تتساءلون لماذا اوجع رؤوسكم بهذه الخرافة؟
هي ليست خرافة.. هي رسالة أوجهها إلى مدرب المنتخب الوطني المنذر الكبير ونحن نعاني أزمة في حراسة المرمى..
أفعلها ولا لوم عليك.. اجنح إلى التجديد…فقط ركز في قرارك وافعلها.. شيء من الشجاعة.. فربما تعود من الكامرون وقد أنهيت مشكل حارس المرمى لسنوات قادمة.. وإذا لم يحصل التوفيق.. فتلك هي بضاعتنا ترد الينا.. وما على المسؤولين في الجمعيات و الهياكل الا التفكير و التخطيط و العمل على ايجاد حل لهذه ” النازلة ” التي نزلت علينا …و لو انني على يقين بأن أغلبهم يمثلون أكبر “نازلة” تعاني منها كرتنا المنكوبة… لذلك قد لا نرتجي منهم حلا.