لم يكن هناك أمل لدى الفلاحين التونسيين بموسم فلاحي وفير حتى منتصف نوفمبر الماضي، إلا أن الأسابيع الأخيرة جاءت ببشائر خير لموسم فلاحي لا يزال في بدايته.
وخشية من تواصل انحباس الأمطار، قرّرت وزارة الفلاحة التونسية نهاية سبتمبر الماضي، تمديد العمل بنظام تقسيط توزيع الماء الصالح للشرب، ومنع استعماله للأغراض الفلاحية أو لري المساحات الخضراء أو تنظيف الشوارع والأماكن العامة وغسل السيارات.
وفسرت الوزارة ذلك بـ”تواتر سنوات الجفاف، وضعف الإيرادات بالسدود، مما انعكس سلبا على مخزنها المائي البالغ مستوى غير مسبوق”.
أمطار بعد انحباس
وفي بيانات نشرها المعهد الوطني للرصد الجوي التونسي (حكومي)، سجلت عدة أماكن، نزول كميات أمطار تجاوزت الـ100 مم.
وشمل نزول الأمطار مناطق تعتبر جافة نسبيا عادة، منها “أولاد الشامخ” بولاية المهدية (شرق)، التي سجلت نزول 120مم، و130مم في محطة بني حسان بولاية المنستير (شرق)، فيما سجلت محطة هرقلة من ولاية سوسة (شرق) نزول 117 مم.
عودة الأمل
بدوره، قال شكري الرزقي نائب رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد والبحري (نقابة المزارعين): “نعم أعادت الأمطار الأخيرة الأمل، ونأمل أن تكون سنة فلاحية جيدة هذا العام تعوّض جفاف السنة الماضية”.
وأضاف الرزقي للأناضول: “الأمطار كانت غزيرة، وهناك 150 مليون مترا مكعبا من المياه دخلت السدود، ونسبة الامتلاء أصبحت نحو 25 بالمئة”.
وفي خصوص عمليات البذر، قال الرزقي “وصلنا إلى نسبة 50 بالمئة على مستوى تقدم الموسم الزراعي، من بين 1.2 مليون هكتار مخصصة لزراعة الحبوب”.
وأضاف أنه “يمكن أن نحصد مليون أو 700 ألف هكتار أو 600 ألف هكتار، بحسب استمرار توفر الأمطار، في الأشهر المقبلة”.
إمكانيات ذاتية
وعن إمكانيات المزارعين، قال الرزقي: “هذا العام مبرمج لزراعة 1.2 مليون هكتار، والفلاحون يواجهون الموسم بإمكانيات ذاتية عبر القروض أو الحصول على مواد الزراعة من المزودين”.
وأضاف أن “البذور متوفرة بنسبة جيدة، أما بالنسبة للقمح الصلب، هناك 170 ألف قنطار من البذور الممتازة تمكن منها الفلاحون، و 120 ألف قنطار من القمح الصلب من البذور عادية وفرتها الدولة، وأخرى وفرها الفلاحون في مناطق إنتاج القمح مثل باجة ( شمال)، وجندوبة (شمال غرب)، وبنزرت ( شمال)”.
وفي خصوص مساعدة الدولة للفلاحين، قال الرزقي: “ليس هناك أمر واضح من الدولة في مساعدة الفلاحين، ووزارة الفلاحة اجتهدت في توفير ما أمكن من البذور”.
وأضاف أنه “لم نر على أرض الواقع مساعدة ملموسة، إلا أن توفير الدولة البذور يعتبر أمرا ممتازا، والدولة وفرت كذلك تحو 201 ألف قنطار من الشعير للبذر”.
من جانبه، قال محمد علي بن رمضان نائب مدير الحبوب بوزارة الفلاحة التونسية: “كنا ننتظر الأمطار منذ مدة، وقد هطلت في كل الولايات المنتجة للحبوب في الأيام الأخيرة”.
وأضاف رمضان للأناضول أن “الأمطار هي الانطلاقة الفعلية لموسم الحبوب، خاصة في الشمال الغربي الذي مرّ بـ 4 سنوات جافة وهي بادرة خير”.
1.2 مليون هكتار من الحبوب
وقال رمضان: “المساحات التي تم بذرها في حدود 600 ألف هكتار، ونحن في مستوى 50 بالمئة من عمليات البذر”.
وأضاف أنه “بفعل هذه الأمطار، سيكون هناك ضغط على الزراعة، وكل الجهات تطلب البذور الممتازة الآن”.
وتابع: “الدولة وضعت منذ سبتمبر 170 ألف قنطار من القمح الصلب للمناطق الزراعية، وهناك برنامج الشعير المراقب المعد للبذر”.
وأكد أن “الطلبات كثيرة باعتبار أننا خرجنا من موسم صعب، وباعتبار أن الأمطار الأخيرة مشجعة، ولنا مساحات كبيرة في الشمال الغربي في الكاف وسليانة نزلت بها أمطار كثيرة”.
الدولة تشجع على البذر
وحول برامج الدولة لتوفير البذور الجيدة، قال بن رمضان: “لنا برنامج استثنائي لتوفير بذور مراقبة من القمح الصلب، وبرنامج لتحقيق اكتفاء ذاتي في القمح الصلب، لتوفير 12 مليون قنطار”.
وأشار إلى أن “فقدان الأسمدة والبذور يعود لعمليات التوزيع، أما الكميات فهي متوفرة، وبالنسبة للقمح المعد للبذر، فالسعر هو 150 دينارا للقنطار ( 50 دولار)، و30 بالمئة من الثمن مدعوم من الدولة بالنسبة للبذور الممتازة والعادية”.
ولفت إلى أن “السنة الفلاحية انطلقت متأخرة، والأمطار الخريفية غابت، والآن على الفلاح البذر والتسميد، وسيبقى الإرشاد الفلاحي ( حكومي) في خدمة الفلاحين”.
الدولة تشجع الفلاحين
في السياق، قال بن رمضان: “نحن نشجع الفلاحين بتوفير البذور بأسعار معقولة، ولم نرفع في أسعار الأسمدة رغم ارتفاع الكلفة”.
وتابع “هناك جدولة تقوم بها الدولة لقروض للفلاحين، وصندوق لتعويض الأضرار عن الفلاحين، وعلى المزارعين تأمين أراضيهم لدى تعاونية التأمين الفلاحي”.
وأوضح أن “كل الفلاحين الذين سجلوا، قدمت الدولة لهم نحو 60 مليون دينار (20 مليون دولار)، كتعويض لخسائر الفلاحين العام الماضي .”
ووفق بن رمضان، تدخلت الدولة “لتسهيل القروض الموسمية للفلاحين لدى البنك الوطني الفلاحي، والبنك التونسي للتضامن (حكوميان)، ليجد الفلاح تمويلا”.
ووفق أرقام رسمية يساهم القطاع الفلاحي بنحو 10 بالمئة من الناتج الداخلي الخام في تونس، وبنسبة 10 بالمئة في الصادرات التونسية، ويستقطب 8 بالمئة من جملة الاستثمارات في الاقتصاد الوطني، و14 بالمئة من اليد العاملة النشيطة، ويؤمن مصدر رزق لأكثر من 570 ألف عامل.
وشهدت تونس، خلال جويلية الماضي، موجة حر تجاوزت فيها درجات الحرارة 50 درجة في بعض الولايات.
احتياطيات السدود
وعانت تونس شحا في المياه، وتراجعا في احتياطيات السدود، جراء التغيرات المناخية وسنوات الجفاف الثلاث الماضية، في ظل ارتفاع الحرارة وانخفاض معدلات الأمطار.
ويبلغ بلغ عدد السدود الرئيسية في تونس نحو 40 سدًا، وبلغت سعتها الإجمالية 2.69 كيلومترًا مكعبًا، معظمها موجودة في الحوض الشمالي من البلاد، أغلبها في ولايات سليانة (شمال) وبنزرت (أقصى الشمال) وزغوان (شمال شرق) وجندوبة وباجة (شمال غرب)، والقيروان (وسط).
وبلغ المخزون العام للسدود في تونس إجمالا 543 ألف و483 متر مكعب حتى منصف ديسمبر 2023، بينما كان معدل مخزونها للثلاث سنوات الماضية في نفس التاريخ 859 ألفا و791 مترا مكعبا، مسجلة بذلك انخفاضا 316 ألفا و307 أمتار مكعبة، وفق آخر بيان صادر عن الإدارة العامة للسدود والأشغال المائية الكبرى التابعة لوزارة الفلاحة.
ومن أبرز السدود في البلاد نجد سيدي ســـالم (ولاية باجة وأكبر السدود بالبلاد)، وبوهرتمـه (ولاية جندوبة) وسجنـان (ولاية بنزرت) وسيدي سعد (ولاية القيروان) التي يبلغ مستوى الامتلاء فيها حتى منتصف ديسمبر الجاري، 27 و24 و26 و23 بالمئة على التوالي، وفق الموقع الرسمي للإدارة العامة للسدود و الأشغال المائية الكبرى.
ووفقا لبيانات الإدارة العامة للحماية المدنية، تم تسجيل 50 حريقا للغابات، خلال الفترة بين 1 جويلية إلى 10 أوت الماضيين، وأتت الحرائق على مساحة 1777 هكتارا، مقابل تسجيل 92 حريقا في نفس الفترة من سنة 2022 أتت على 3166 هكتارا.