بمجرد وصولك إلى ولاية سوسة ، على بعد 120 كلم عن العاصمة تونس، تقطع عشرات الكيلومترات وسط غابات الزيتون لتصل إلى مناطق قصور الساف وسيدي علوان والشابة من ولاية المهدية.
وعلى الرغم من عام جاف وصعب، أبت أشجار الزيتون في هذه المناطق أن تخذل الفلاحين، فجادت بما عندها من حبات سوداء ارتفعت أسعارها بشكل كبير هذه السنة.
آلة أو مشط بلاستيكي أو عصا.. تعدّدت الوسائل والهدف واحد، هو جني محصول الزيتون في منطقة زُردة بمعتمدية سيدي علوان في المهدية.
وبينما يجني المحصول، قال العامل رشيد الطوزي للأناضول إن “موسم الزيتون هذا العام تحت المتوسط بقليل.. ليست هناك صابة (محصول) كبيرة، فالزيتون جفّ في أغصانه من قلّة الأمطار، ولم نحصل سوى على ثلث الصابة”.
وتابع الطوزي: “في هذه المنطقة زُردة وسيدي علوان وقصور الساف كثيرة هي أشجار الزيتون، ولكن من سقى وجد محصولا، ومَن لم يسق أشجاره لم يحصل على شيء”.
وفي مناطق ما يُعرف بالساحل التونسي، وهي ولايات سوسة والمنستير والمهدية، يعتمد فلاحو الزيتون أساسا على الري عبر صهاريج تجرها جرارات تنقل المياه من آبار عميقة إلى الحقول.
وزاد الطوزي: “قمت بجني 400 زيتونة (شجرة)، ولم أحصل سوى على 10 أكياس (630 كلغ) بحبات صغيرة جدا، ومضطر لجمعه حتى لا يتلفه البعض.. الزيتونة (الشجرة) تتطلب 4 أو 5 سكك حراثة والغبار (سماد عضوي) والزبيرة (التشذيب)”.
وأردف: “عندما تأتينا صابة زيتون (محصول وفير) نعمل لمدة 6 أشهر، وهنا ليس لنا ماء، فنسقي بالصهاريج، والصهريج الواحد كُلفَته بين 40 و50 دينارا (12.9 و16.1 دولارا)”.
أمطار قليلة
محمد الشابي، صاحب حقل زيتون في زُردة، قال للأناضول: “سابقا لم نكن نأمل في المحصول (لكن) بعد نزول قليل من الأمطار ظهرت حبات الزيتون والمحصول قليل هذا العام مثل السنة الماضية”.
وأضاف الشابي أن “الصابة كانت قليلة بسبب الجفاف، ونبدأ العمل كل يوم من السابعة صباحا (06:00 ت.غ) إلى الثالثة (02:00 ت.غ)”.
ومضى قائلا: “ننتظر أن يكون محصول الزيت جيدا، ونحتاج إلى الماء لأن ريّ الأشجار أفضل، ودون ماء الشجرة تتعب كثيرا”.
وبحسب المرصد التونسي للمياه (حكومي)، في جويلية الماضي، توسعت خريطة العطش بالبلاد نتيجة قلة الأمطار واهتراء البنية التحتية للسدود المحلية.
وعانت تونس شحا في المياه وتراجعا في احتياطيات السدود، جراء التغيرات المناخية وسنوات الجفاف الثلاث الماضية، في ظل ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض معدلات الأمطار.
وفي قرار صادر عن وزارة الفلاحة نهاية سبتمبر الماضي، تم تمديد العمل بنظام تقسيط توزيع الماء الصالح للشرب ومنع استعماله للأغراض الفلاحية أو لري المساحات الخضراء أو تنظيف الشوارع والأماكن العامة وغسل السيارات.
زيتون ساحلي
وعن نوعية الزيتون في منطقة الساحل، قال الطوزي: “هنا زيتوننا ساحلي نوع ’شملالي’ معروف في كامل منطقة الساحل وغيرها من مناطق تونس”.
وأضاف: “شتلات إسبانيا التي أدخلوها لنا غير جيدة، فالزيتونة تعيش 10 سنوات وفي سنتين تعطي إنتاجها ويتم جنيها مدة 6 سنوات، ثم لا تعطي شيئا”.
الطوزي تابع: “زيتوننا نحن عمره آلاف السنين ويعود للعهد الفينيقي (800 عام قبل الميلاد)، وهذا الزيتون الذي تراه أمامك عمره بين 200 و300 و400 عام وهو بخير، وهناك زيتونة تعطي 10 أكياس (630 كلغ) أو 15 كيسا (950 كلغ)”.
أسعار الزيت
وبخصوص أسعار الزيتون، قال الطوزي “هنا سعر الويبة (وحدة كيل محلية نحو 27 كلغ من الزيتون) كان 100 دينار (33.3 دولارا)، أما الآن فهي بـ 80 أو 90 دينارا (26.6 أو 30 دولارا)، أما سعر الزيت فهو نحو 25 دينارا للتر (8.3 دولارات)”.
ومؤكدا نقص الإنتاج بفعل الجفاف، قال محيي الدين عياد، رئيس الاتحاد المحلي لاتحاد الفلاحين بالشابة وهي معتمدية مجاورة لمعتمديتي قصور الساف وسيدي علوان، إن “الساحل بصفة عامة مشهور بالزيتون والصابة هذا العام نقصت بمقدار الثلث”.
وأضاف عياد للأناضول أن “عامل المناخ جعل الصابة تتراجع إلى نحو 30 بالمئة.. الفلاح دفع نفقات باهظة لرعاية الزيتون”.
واستدرك: “لكن بعد جلسة الرئيس قيس سعيد مع وزير الفلاحة عبد المنعم بلعاتي، هناك تخوفات كبيرة.. أصحاب المعاصر خائفون من سعي السلطة لتخفيض سعر الزيت إلى 14 دينارا للتر (4.66 دولارات).. وهذه ضربة تقصم ظهر الفلاح”.
عياد تساءل: “كلفة اللتر الواحد من زيت الزيتون هي 22.6 دينارا (7.53 دولارات)، فكيف سيبيعه صاحب معصرة الزيتون بالسعر المقترح؟!”.
وقال: “مبدئيا أنا دعوت الفلاحين للتوقف عن الجني حتى تتوضح الأمور؛ لأنه إذا شجعنا الفلاح على الاستثمار لا يمكن الآن أن نحدد له سعرا لا يراعي كلفة الإنتاج.. والدولة يمكن أن تدافع عن المستهلك بطريقة أخرى”.
وأوضح: “لنا استهلاك محلي لزيت الزيتون يقدر بـ35 ألف طن، وهناك 30 بالمئة من التونسيين ليس لهم زيتون (لا ينتجونه) و70 بالمائة لهم زيتون يعني يستهلكون إنتاجهم، والذين لا يملكون زياتين يستهلكون 10 آلاف طن، فهؤلاء على الدولة أن تعوض لهم ماليا”
احتكار وتحايل
وفي 18 نوفمبر الماضي، اجتمع الرئيس سعيد مع وزراء الفلاحة والموارد المائية بلعاتي، والداخلية كمال الفقي، والتجارة وتنمية الصادرات كلثوم بن رجب قزاح.
وقال سعيّد خلال الاجتماع إنه “من غير المقبول ارتفاع أسعار عدد من المواد الغذائية، وبينها زيت الزيتون”.
وأضاف أن “تونس تنتج أفضل أنواع الزياتين في العالم وتحتل المراتب الأولى لأكبر غابات هذه الشجرة المباركة، ولا يمكن القبول بأن ترتفع أسعار الزيت بهذا الشكل مهما كانت المبررات التي يحاول أن يقدمها البعض لإخفاء الاحتكار والتحيل على القانون”.
وتملك تونس أكثر من 100 مليون شجرة زيتون، وفقا للجامعة الوطنية لمنتجي الزيتون التابعة للاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري .
وفي سبتمبر الماضي، توقعت درصاف بن أحمد، مسؤولة بالإدارة العامة للإنتاج الفلاحي بوزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، إنتاج مليون طن من زيتون الزيت، ما يعادل 200 ألف طن زيت، خلال موسم 2023-2024.
وأضافت أن “إنتاج الزيت خلال الموسم 2022-2023، بلغ 180 ألف طن، مقابل 240 ألف طن خلال 2021-2022، وراوحت الأسعار بين 14 و19 دينارا للتر (4.6 و6.3 دولارات)، مقابل 9 و12 دينارا للتر (3 و4 دولارات) خلال 2021-2022”.
والإنتاج حسب الجهات، يكون 23 بالمئة في الشمال، و17 بالمئة في الساحل ، و35 بالمئة بالوسط الغربي، و25 بالمئة بالجنوب، بحسب درصاف.