منذ 7 أكتوبر الماضي، ينتشر علم فلسطين في مختلف ساحات مدن وقرى تونس، كما لا يغيب عن أي اجتماع حزبي أو مباراة رياضية أو فعالية خيرية أو ساحات المدارس والمعاهد الثانوية والجامعات في عموم البلاد.
مبروك المنصوري، بائع أعلام في “باب بحر” بالعاصمة تونس، قال إن “العلم الفلسطيني كان يباع من قبل في تونس للزوار العرب من الجزائر والأردن والمغرب ومصر، وحتى للفرنسيين”.
وتابع لوكالة الأناضول: “خلال الحرب على غزة ارتفع الطلب على العلم الفلسطيني من مختلف الفئات العمرية، شبان وكهول”.
وأكد المنصوري أن “العلم الفلسطيني أصبح الأكثر رواجا خلال الحرب، متقدما على العلم التونسي من حيث المبيعات”، قائلا إن “الشعوب العربية كلها تحب فلسطين”.
وتحدثت الأناضول إلى تاجر أعلام متجول بإحدى المسيرات الداعمة للمقاومة الفلسطينية في شارع الحبيب بورقية وسط العاصمة، حيث قال إنه “خلال المسيرات نبيع الأعلام الفلسطينية، فالصغار والكبار يشترون العلم”.
وأضاف التاجر محمد، الذي فضل عدم ذكر اسمه كاملا، أن “المتظاهرين يشترون العلم الفلسطيني تضامنا مع الفلسطينيين والمقاومة”.
الأطفال يعشقون العلم الفلسطيني
وقرب إحدى المدارس في العاصمة، يحتضن الطفل عُبيد، تلميذ في الصف الثالث الابتدائي، علما فلسطينيا كبيرا بكل إصرار.
والدة الطفل قالت للأناضول إن “عُبيد يتحرك بالعلم الفلسطيني في كل مكان، ويريد أن يحمله حتى إلى المدرسة”.
وأضافت: “حمل عُبيد راية فلسطين معه في رحلة نظمتها الحضانة المدرسية التي يقضي فيها الأطفال أوقات فراغهم خلال اليوم”.
وتابعت: “أطفالنا يعشقون فلسطين و(متحدث كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس) أبو عبيدة”.
مشاعر فخر واعتزاز
طارق الكحلاوي، المدير السابق للمعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية (حكومي)، قال إن هناك “مستوى استثنائيا للتعاطف مع القضية الفلسطينية، ناتجا عن سببين؛ الأول هو الشعور بالذنب من قبل الرأي العام العربي لنسيانه مأساة الفلسطينيين لفترة طويلة، فمشاهد الدم تعمق هذا الشعور باستفراد إسرائيل بالفلسطينيين”.
وأضاف الكحلاوي للأناضول، أن “السبب الثاني لانتشار الراية الفلسطينية في تونس هو مستوى المقاومة في 7 أكتوبر (عملية طوفان الأقصى) التي جعلت الناس يشعرون بالفخر بتحقيق أشياء غير مسبوقة”.
وأوضح أن ذلك يعد “حدثا استثنائيا بكل المقاييس على مستوى العمل العسكري، فمشاهد 7 أكتوبر جعلت الناس، وخصوصا الشباب، تحس بلحظة اعتزاز ذاتي، بدلا من الشعور الدائم بالجرح العميق والإذلال جراء الاستهداف المكثف للفلسطينيين”.
وتابع الكحلاوي أن “الشعور بالانتماء للمقاومة والفخر بها تقويه ردة فعل الجانب الآخر (الغربي) تجاه المعركة التي تعد معركة مع نخبة غربية تقف بشكل واضح مع إسرائيل”.
فلسطين قضية مركزية
ويرى المحلل السياسي الحبيب بوعجيلة، أن وجود العلم الفلسطيني في كل مكان “يعكس بشكل واضح جدا أن فلسطين قضية مركزية تجمع الوجدان والضمير العربي معا”.
وأضاف للأناضول أن “السنوات العشر الماضية تم خلالها تجميع الناس في تونس على قضايا اجتماعية وسياسية محلية”.
واعتبر أن “فكرة تحقيق الديمقراطية أولا، ثم تحرير فلسطين، أضرت بالقضية الفلسطينية لأنها ألهت الناس بصراعات بينية أعادتنا إلى صراعات العلمانيين والإسلاميين”.
وأوضح أن “ما راكمناه في عشرية ما قبل الثورة من تسويات فكرية تاريخية بين الفرقاء السياسيين والمفكرين، ضُرب بعد 2011 بشكل مخطط له، ولم يكن عفويا عودة التيارات الكبرى للصراع على حساب القضية الفلسطينية”.
وأكد بوعجيلة أن “الشباب عادوا إلى القضية، من خلال المشاركة في التظاهرات والتشبث بالراية الفلسطينية”.
وقال: “قد لا يعرف الشباب أي فكرة عن القضية، ولا يفهمون شيئا عن فصائل الثورة، لكنهم يعرفون أن شيئا اسمه فلسطين، عزيز عليهم، وهذا يفسر رواج العلم الفلسطيني”.