بعد انفراجة أمطار ماي وجوان الماضيين في تونس، عادت مخاطر شح المياه تهدد الموسم الفلاحي المقبل بعد تراجع نسب امتلاء السدود إلى أرقام قياسية متدنية، لم يسبق تسجيلها من قبل.
خبير المياه التونسي، محمد صالح قلايد، قال إن منسوب مياه السدود في البلاد تراجع إلى ما دون 25 بالمئة خلال العام الحالي.
تقسيط الماء
وفي قرار صادر عن وزارة الفلاحة التونسية نهاية سبتمبر الماضي، تم تمديد العمل بنظام تقسيط توزيع الماء الصالح للشرب ومنع استعماله للأغراض الفلاحية أو لري المساحات الخضراء أو تنظيف الشوارع والأماكن العامة وغسل السيارات.
وقالت الوزارة: “نظرا لتواتر سنوات الجفاف وضعف الإيرادات بالسدود، مما انعكس سلبا على مخزنها المائي البالغ مستوى غير مسبوق.. يتواصل العمل بالمقرر رقم 941 الصادر في مارس الماضي، المتعلق بإقرار نظام حصص، وتعليق مؤقت لبعض استعمالات المياه حتى إشعار آخر”.
نقص الأمطار
المسؤول السابق بوزارة الفلاحة خبير المياه محمد صالح قلايد، قال للأناضول: “في ضوء نقص الأمطار حصل انخفاض كبير في مستوى امتلاء السدود بلغ أقل من 25 بالمئة واستنزاف عديد الموائد المائية”.
وأضاف قلايد: “ربما ننتظر قرارات أقوى بخصوص توزيع المياه، منها أن يصبح قطع في ساعات النهار بعد أن كانت التقسيط مقتصر على ساعات الليل فقط إلى حد الآن”.
وفي علاقته بالنشاط الفلاحي، قال قلايد: “في جهات معينة من تونس تم تنبيه على المزارعين على عدم زراعة خضراوات خاصة.. نظرا لاحتمال وجود جفاف”.
“مستوى امتلاء السدود أقل من الربع، وهذا لم يحصل منذ عقود، بالإضافة إلى التبخر بفعل الحرارة المرتفعة”، يقول الخبير الاقتصادي.
ووفق إحصائيات نشرها المعهد الوطني للرصد الجوي، سجلت درجات الحرارة 32 مئوية، وهي أرقام غير عادية بالنسبة لهذا الفصل.
وسجلت تونس مستويات مرتفعة من الحرارة بلغ نحو 50 درجة خلال جويلية الماضي، في عدة مناطق ووصلت بالعاصمة تونس إلى 49 درجة، وفق أرقام نشرها المعهد الوطني للرصد الجوي (حكومي).
وتابع: “المعطيات الواقعية تشير أن المخزون في السدود لا يفي بالحاجيات”؛ فيما تتعقد الوضعية أكثر في نظر قلايد، “إذا عرفنا أن 50 بالمئة من مياه الشرب تأتي من المياه السطحية (السدود)”.
ويؤكد خبير المياه التونسي أن “الوضع المائي مخيف جدا والأمن الغذائي مهدد”.
شكري الرزقي، نائب رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد والبحري، يؤكد بدوره اشتداد أزمة التزود بالماء في تونس خاصة بالنسبة للقطاع الفلاحي، مشيرا أن البلاد عاشت سنة جافة.
وأضاف الرزقي في تصريحات للأناضول: “الإيرادات المائية التي جاءت في جوان الماضي كانت جيدة، ولكن الاستهلاك سواء للفلاحة أو للشرب أضاعها.. الطبقة المائية تشهد انخفاضا في الآبار الجوفية والآبار السطحية”.
وشدد الرزقي على أن “الموارد المائية في وضع صعب.. الدولة يمكنها استغلال المائدة المائية العميقة (المياه الجوفية) في الوسط والجنوب”.
وزاد: “80 بالمئة من المياه موجودة في الشمال وهي مياه السدود.. والدولة لم تذهب كثيرا في استغلال الموارد من الموائد العميقة”.
وبشأن أسباب الأزمة الحالية للمياه في تونس، قال الرزقي: “التغيرات المناخية تشمل جميع دول العالم.. هذا العام انقلبت الموازين، فالسعودية خضراء وشمال إفريقيا وإسبانيا منطقة جافة”.
وأضاف: “نحن كفلاحين نتفهم العملية.. فقط نريد أن نشارك في اتخاذ القرار وخاصة بالنسبة للمستثمرين في المناطق الفلاحية السقوية حتى يعرفون ما يفعلون”.
وتابع: “الشريك في القرار يمكنه تحمل أعباء ذلك القرار”، في إشارة إلى قرار تقسيط الماء أو قطعه عن منطقة فلاحية لتوفير مياه الشرب.
حسن التصرف
وحول الأوضاع الحالية، قال الرزقي: “هناك مناطق فلاحية سقوية لا تعمل.. فسد سيدي البراق في أقصى الشمال لا يوجد فيه ماء فما بالك بالسدود الأخرى”.
وتابع: “المؤشرات واضحة ليس هناك ماء.. وتغير مناخي لا يُتحكَمُ فيه وليس هناك من حل سوى حسن التصرف في ما هو لديك من موارد، فالأزمة لا يمكن لأحد أن يتحملها”.
ووفق أرقام رسمية يساهم القطاع الفلاحي بحوالي 10 بالمئة من الناتج الداخلي الخام، ويساهم بنسبة 10 بالمئة في الصادرات التونسية، ويستقطب 8 بالمئة من جملة الاستثمارات في الاقتصاد الوطني، و14 بالمئة من اليد العاملة النشيطة؛ ويؤمن موارد رزق لأكثر من 570 ألف مشتغل فلاحي وبحار.