رحمك الله أيها الرجل…
حتى موتتك نأت بنا عن صدمة تنزل على كل أحبتك نزول الصاعقة….
منذ أشهر وأنت توحي لنا بالاستعداد لتوديعك دون أن تفارقك تلك البسمة الفريدة التي بها تعبر عن فرحتك وبها تعبر عن حزنك وغضبك …
رحمك الله أيها الرجل ….
حتى في هذه تجسمت قناعاتك بأن كل نهاية لا بد لها من إعداد وتمهيد وتخطيط …
هكذا كنت تفكر وهكذا كنت تسعى إلى الإقناع متحملا حقد الحاقد وحسد الحاسد وجهل الجاهل وحتى بلاهة المعتوه…
رحمك الله أيها الرجل …
وهل يحق أن تتحدث بعدك عن رجولة … أعني تلك الرجولة التي صنعت ونمت وترعرعت و نضجت في كيان شخص متفرد اسمه المنصف خماخم …
يصعب ذلك … و كل من والاك أوعاداك يدرك هذا … فأما أن يفاخر بصحبتك وأما أن يموت غيضا بمعاداتك … وأنت واقف شامخ تجيب ببسمتك المعتادة انتصارا أو ترفعا …
رحمك الله أيها الرجل …
استعيد بعض الذكريات التي تلخص مسيرة معاناة وكفاح رفعت فيه بشجاعة شعارات تنازل عنها غيرك من محترفي بيع القيم بحثا عن مصلحة خاصة مقيتة …
كنت تقول بالصوت العالي: أحب كل ذرة في صفاقس … وأحب كل نفس يحيط بالنادي الصفاقسي وبغير هذا الحب لا يمكن لي ان أحب تونس… ولا كرة تونس…
كنت تقولها حين كان غيرك يزايد بها في أسواق صفقات بيع الوطن للمجرمين …
كنت تقولها إيمانا بأنها الباب الوحيد للتأليف والتقريب والبناء ورسم المستقبل …
كنت تقولها وأنت تخوض معارك استرداد الحقوق … في الاتحاد الجهوي للصناعة و التجارة حيت استل أولاد البغيات سيوفهم متامرين عليك … بل متآمرين على قيم أردتها أن تنتصر انتصارا للوطن … نعم تآمروا ومنهم من لم يكن ليصبح له وزن قيراط في المدينة لو لا المنصف خماخم … ورغم ذلك واصلت الابتسامة … حتى في وجه من انقلب وخان وغدر….
“اقترح على الحكومة ان تبعث وزارة للتجارة الموازية”..
لن أنسى كلمتك المشهورة هذه التي أعلنتها في اجتماع يترأسه الوزير الأول للرئيس الراحل زين العابدين بن علي وبحضور إطارات سامية في الدولة … قلتها وقتها بابتسامة تخفي دموع حسرتك على التلاعب الذي كان يعانيه الاقتصاد التونسي … لكنهم عوض أن يفهموا أصروا على مواصلة الحرب ضدك … وكنت كما عهدتك صامدا واقفا لا تتزعزع … متسلحا بالابتسامة التي تحديت بها الموت نفسه…
رحمك الله أيها الرجل …
من لي بعدك يأتي ليواصل هذه الحرب التي لا تنتهي و التي لم تكل من خوضها رغم كل مكائدهم لك…
التفهاء الذين كانو يقولون عنك ” يتفلسف ” … “يبالغ” … “يخلوض” … هل سنجد منهم رجلا يواصل مطاردة السلطة إلى آخر رمق من أجل انجاز مشروع تبرورة مثلما فعلت؟ ومن أجل إنجاز المدينة الرياضية مثلما ألححت ؟ ومن أجل انجاز مشروع السياحة الإيكولوجية في جزر قرقنة مثلما اقترحت ؟
ترى هل سيهمهم كل هذا الذي تفلسفت و بالغت و “خلوضت” من أجله ؟
رحمك الله أيها الرجل …
كم ستخسرك صفاقس ومن ورائها وطن…
مازلت تبتسم ؟ حتى وأنت في رقادك اللامنتهي… و تبتسم ؟ تتركني وتبتسم ؟
ألم اكن منصتا جيدا لكلامك ؟ ألم اكن متفاعلا إيجابيا مع افكارك و مقترحاتك ؟ ألم أكن شرها في اللقاء بك وفي التزود بنصائحك ؟
ياااااالله … طوبى لاهل المقابر بنزول هذا الرجل …
رجل عاش لا يخاف في قولة الحق لومة لائم حتى وإن كان الحق على نفسه..
رجل عاش صادقا متواضعا خدوما يؤثر الآخر من قبله…
رجل عاش بعقيدة و قناعات لم يتنح عنها ولم يتاجر بها …
رجل التزم بأن لا يضع يده في أيادي الكذابين والمنافقين والانتهازيين والسراق والوصوليين رغم أنه لو فكر لحظة في مصالحه الذاتية لفعل ذلك … لكنه كان يدرك أنه لو فعل لما كان ذاك الرجل…
بحبر من دموع المحبة و الحسرة و اللوعة … أمضي … أنا عبد الباقي بن مسعود … أشهد بأنه كان رجلا … بلغتنا “رااااااااجل” … رحمك الله يا أخي المنصف خماخم ورزقني فيك جميل الصبر و السلوان…
سالوني هل ستعزّي؟ فاجبت : ” هذا أنا في مكاني أقبل العزاء”…
وداعا …