قبل نحو شهر، بدأ في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا موسم قطف ثمار الكرز، أو ما يعرف في تونس بـ «حب الملوك».
لكن في تونس وعدد قليل من بلدان المنطقة مثل لبنان، تمر رحلة وصول ثمرة الكرز نحو النضج، بفترة شديدة البرودة تصل حد نزول الثلوج، وهو ما تحتاج إليه هذه الشجرة، بحسب الفلاحين.
وتُعرف مدينة مكثر من ولاية سليانة (شمال غرب تونس) بأنها أشد المناطق برودة في الشتاء.
ومنذ سنوات، بادر مزارعو حب الملوك إلى تنظيم مهرجان يحتفي بهذه الثمار في الأسبوع الأول من جوان من كل عام.
غلاء الأسعار
عمر مراد، وهو فلاح ومدير الدورة العاشرة لمهرجان الفروسية والرماية وحب الملوك بمكثر (عقدت في الفترة بين 1 إلى 9 جوان)، قال إن “محصول حب الملوك كان ضعيفا هذا العام، نظرا لحدوث صقيع، تسبب في سقوط الزهور عن الشجر في أفريل الماضي.
وأضاف مراد للأناضول: “عدم الوفرة هذا العام أدى لارتفاع أسعار حب الملوك.. لو كان الإنتاج وفيرا لكان الثمن لا يتجاوز 8 دنانير (2.6 دولار) للكيلوغرام”.
“نحن هنا في موقع إنتاجه نشتري حب الملوك بسعر مرتفع مع أنه متوفر في حديقة كل بيت تقريبا بمدينة مكثر”.
ويباع أعلى صنف من حب الملوك في الأسواق 50 دينارا (16.6 دولارا) خلال الموسم الحالي للكيلوغرام.. “هناك مصاريف كثيرة لإنتاج حب الملوك” بحسب مراد.
تغيرات مناخية
وقال مراد: “الأزمة الموجودة على مستوى الإنتاج نتيجة الاحتباس الحراري.. إنها شجرة تتطلب وجود طقس بارد وثلوج، وتتطلب ألف ساعة برد في العام حتى تعطي ثمرة جيدة بلونها القرمزي ومذاقها الجميل”.
وأضاف: “في مكثر لنا ماء جيد وهواء نقي يعطي للثمرة مميزاتها والأهم هو وجود البرد.. بينما في المناطق الأخرى من تونس لا تنجح غراستها بنفس جودة مكثر.. ولكن تنجح في منطقتي كسرى وبرقة (من ولاية سليانة) المجاورتين”.
“هذا العام وقع الصقيع للأسف.. وأسقط معظم زهور حب الملوك، وأتلف 70 بالمئة من الإنتاج و30 بالمئة الباقية لا تكفي السوق، خاصة مع وجود منظومة سياحية في البلاد تستهلك الثمار”.
اتجاه فلاحي جديد
وأوضح مراد: “عند الحديث عن حب الملوك في ظروف مناخية جيدة، لا نصل إلى هذه الأسعار، فهذا العام أسعار البرتقال في المتناول لأن الكميات كبيرة بفعل عوامل مناخية مناسبة في أماكن إنتاجه”.
وزاد: “مكثر المنتج الأول لحب الملوك على مساحة 470 هكتار وهي حوض إنتاج حب الملوك الأول في تونس.. الفلاحون خرجوا من طور الزراعات الكبرى (الحبوب) إلى غراسة الأشجار المثمرة خاصة حب الملوك والزيتون”.
وقال: “هناك مزارع حديثة بعد سنتين أو ثلاث سنوات.. سنصل الى 600 هكتار مزروعة بحب الملوك في مكثر”.
معاناة الفلاح
الطيب محمد السيفي، فلاح من منطقة السوالم بمعتمدية مكثر، وجده مراسل الأناضول في بستانه يتابع حركة عماله لجني الثمار؛ قال: “الفلاح يعاني بحكم غلاء الأدوية ومواد إنتاج حب الملوك وكذلك نقص المياه”.
وأضاف السيفي في تصريحات للأناضول: “على الدولة توسيع المنطقة السقوية (المروية) بحفر الآبار العميقة..أحيانا نجمع المحصول ولكن الثمار تبقى مكدسة عندنا لانعدام الطرقات وخاصة عند نزول الأمطار، ليس لنا طريق معبدة”.
وتابع: “لا بد للدولة أن تلتفت للفلاح.. قارورة الدواء يصل ثمنها إلى 120 دينارا (40 دولارا)، وهناك نوع من الأدوية يصل ثمنه إلى 350 دينارا ( 116.6 دولارا) لننقذ الإنتاج من التلف”.
أسعار في متناول الناس
ورغم اعتراض المستهلكين في المدن على غلاء أسعار حب الملوك، يقول السيفي: “الأسعار في متناول الجميع وهذا العام الشتاء كان دافئا، فالإنتاج ضعيف والشجرة تنتج أكثر في العام الذي تنزل فيه الثلوج”.
وأضاف: “الآن نبيع كيلوغرام حب الملوك بمتوسط 15 دينارا (5 دولارات)، وهناك نوعية 3 دنانير (1 دولار).
وعن أصناف حب الملوك التي تنتج في مكثر، قال السيفي: “هناك مورو، والبيضاء، والستيلي.. الإقبال موجود على ثمار حب الملوك مهما اختلف نوعها”.
وفي تصريحات سابقة لوكالة الأنباء الرسمية، قال رئيس مكتب الأشجار المثمرة بالمندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية خالد بدر الدين، إن “المساحات المزروعة حب الملوك بولاية سليانة، تقدر بـ655 هكتارا أي 260 ألف شجرة موزعة”.
وقال بدر الدين: “وهناك 435 هكتارا بمعتمدية مكثر (170 ألف شجرة) و100 هكتار بكسرى (40 ألف شجرة) ومثلها ببرقو و20 هكتارا بمعتمدية سليانة الجنوبية (8 ألاف شجرة)”.
من ناحيته قال طارق المخزومي رئيس الاتّحاد المحلي للفلاحة والصيد البحري بمكثر، في تصريح لموقع “الشروق أون لاين” المحلي، ماي الماضي، إن إنتاج ولاية سليانة من ثمار حب الملوك يمثل حوالي 90 بالمئة من الإنتاج الوطني.
وبحسب المجمع المهني المشترك للغلال (حكومي تحت إشراف وزارة الفلاحة)، في احصائيات نقلتها وكالة الأنباء الرسمية، ماي الماضي، يتم إنتاج 9 آلاف طن من الكرز سنويا ونصيب ولاية سليانة 93 بالمئة من الإنتاج.
ووفق الوكالة ذاتها، تنتج تونس جملة من أنواع حب الملوك من بينها “بيقارو” وهي من أجود الأنواع، و”مورو فرنسي” و”مورو عادي” و”مورو بالستيك” والبيضاء.