سياسة

الانتخابات الرئاسية في تونس.. هل بات ضروريا تشكيل المحكمة الدستورية؟

الدستور في تونس

مع توجه تونس نحو انتخابات رئاسية مفترضة في أكتوبر المقبل، يتزايد الجدل بشأن ضرورة تشكيل المحكمة الدستورية.
وعدم تشكيل هذه المحكمة لا يعود إلى فترة تولي الرئيس الحالي قيس سعيد السلطات كافة، بموجب إجراءات استثنائية بدأها في 25 جويلية 2021، بل يرجع لفترات سابقة.
ونصّ دستور 2014 السابق، أول دستور بعد ثورة 2011، على إرساء المحكمة الدستورية خلال سنة من الانتخابات البرلمانية التي أُجريت في 26 أكتوبر 2014.
لكن تم تجاوز هذه المدة جراء خلافات حادة بين الكتل البرلمانية بشأن المرشحين لعضوية المحكمة، واستمر الوضع مع الانتخابات التشريعية في 2019.
فبعد هذه الانتخابات نشبت أيضا خلافات بين الكتل البرلمانية، كما رفض سعيد في مارس 2021 التصديق على تعديلات بقانون المحكمة الدستورية الصادر في 2015.
المحكمة في الدستور
إجراءات سعيد الاستثنائية تضمنت حل مجلسي القضاء والنواب، وإصدار تشريعات رئاسية، وإقرار دستور جديد عبر استفتاء شعبي، وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة.
وتعتبر قوى تونسية هذه الإجراءات “انقلابا على دستور (2014) الثورة وتكريسا لحكم فردي مطلق”، بينما تراها قوى أخرى مؤيدة لسعيد “تصحيحا لمسار ثورة 2011″، التي أطاحت بالرئيس آنذاك زين العابدين بن علي (1987-2011).
وفي الدستور الجديد، تنص المادة 125 على أن “المحكمة الدستورية هيئة قضائية مستقلة تتركب من تسعة أعضاء تتم تسميتهم بأمر (من رئيس الجمهورية)”.
وهؤلاء الأعضاء “ثلثهم الأول أقدم رؤساء الدوائر بمحكمة التعقيب، والثلث الثاني أقدم رؤساء الدوائر التعقيبية (التمييز أعلى من الاستئناف) أو الاستشارية بالمحكمة الإدارية، والثلث الثالث والأخير أقدم أعضاء محكمة المحاسبات”، وفق المادة.
فيما حددت المادة 127 مهام المحكمة، ومنها “مراقبة دستورية القوانين بناء على طلب من رئيس الجمهورية أو ثلاثين عضوا من أعضاء مجلس نواب الشعب أو نصف أعضاء المجلس الوطني للجهات والأقاليم”.
و”عند شغور منصب رئيس الجمهورية لوفاة أو لاستقالة أو لعجز تام أو لأي سبب، يتولى رئيس المحكمة الدستورية فورا مهام رئاسة الدولة بصفة مؤقتة لأجل أدناه خمسة وأربعون يوما وأقصاه تسعون يوما”، حسب المادة 109.
وفيما يتسع الجدل حيال عدم تشكيل المحكمة الدستورية ضمن حالة استقطاب سياسي حاد في تونس، تلتزم السلطات الصمت تجاه هذه المسألة.
أحد مكونات الديمقراطية
أستاذ القانون الدستوري بالجامعة التونسية الصغير الزكراوي قال للأناضول: “عندما يكون لبلد ما دستور ولا يقع إحداث محكمة دستورية، يصبح الدستور برنامجا لا قيمة له”.
وأضاف أنه “من الطبيعي أن تكون لنا محكمة دستورية (…) تصدر عن علوية دستورية، والقوانين التي تصدر لا بد أن تكون مطابقة للدستور”.
وتابع: “حاليا من خلال التجارب في الدول، لا يمكن القول بديمقراطية الدولة دون أن تكون لها محكمة دستورية، فهي من المكونات الأساسية للديمقراطية”.
واستطرد: “النظام السياسي لا يكتمل إلا بوجود محكمة دستورية، لأن لها دور المراقبة والاستشارة للسلطة التنفيذية والتشريعية، وفي حالات، مثلما ورد في دستور 2014، تفصل في النزاعات بشأن الصلاحيات”.
الزكراوي اعتبر أنه “لو كانت لنا محكمة دستورية لما كان 25 يوليو (إجراءات سعيد الاستثنائية)، ولكانت فصلت في النزاعات”.
وأردف أنه لو كانت المحكمة موجودة “لما أقدم الرئيس (سعيد) على عدم تحديد موعد للوزراء الذين عيّنهم رئيس الحكومة آنذاك (هشام) المشيشي لأداء اليمين، وكان يمكن اعتبار ذلك خطأ جسيما ويمكن إقالته”.
وحذر الزكراوي من عدم تشكيل المحكمة الدستورية بقوله: “في هذه المرحلة بتونس، للمحكمة الدستورية مستوجبات خاصة لأن رئيسها هو مَن ينوب عن الرئيس في حالة الوفاة، وعند أي شغور سنجد أنفسنا في حالة فراغ (رئاسي)”.
مخاوف غير جدية
على الجانب الآخر، قلّل الأمين العام لحزب “مسار 25 جويلية” محمود بن مبروك، (المقرب من سعيد)، من المخاوف والانتقادات بشأن عدم تشكيل المحكمة الدستورية.
ابن مبروك اعتبر، في حديث للأناضول، أنها “مخاوف غير جدية لن تغير شيئا في المشهد السياسي بتونس، فالمحكمة الدستورية لها صيغة قانونية أكثر منها سياسية”.
ورأى أن “المحكمة الدستورية ضرورية في حالة أن شخصا أو البرلمان أراد إثارة أن هناك قانونا غير دستوري، وإلى حد الآن ليس هناك أمر عاجل في هذا الخصوص”.
وتابع: “لم نرَ شخصا يقول هذا النص أو ذاك غير دستوري، ولم نصل إلى انسداد، لذلك ننتظر شهرين أو ثلاثة ولن يغير ذلك في المشهد السياسي ولن يؤثر على الترشحات (للانتخابات المقبلة)”.
حسابات ضيقة
خلافا لدعوة ابن مبروك إلى التمهل، رأى الزكراوي أنه “من الضروري التعجيل في تشكيل المحكمة الدستورية، خاصة وأن التركيبة موجودة وهي من القضاة”.
وعن الشغور في منظومة القضاء ما يمنع تشكيل المحكمة، قال إن “السلطة التنفيذية هي التي تتحمل مسؤولية هذا الشغور”.
وأردف: “بإمكان السلطة التنفيذية حل هذا المشكل، فأعضاء المحكمة هم أقدم رؤساء الدوائر في القضاء الإداري والمالي والعدلي. ربما الرئيس له توجس من أشخاص معينين يشغلون هذه المناصب وهناك حسابات سياسية ضيقة”.
الزكراوي زاد أن “المسؤول عن الشغورات هو رئيس الجمهورية، خاصة وأن القضاء يتبعه تأديبا وعزلا وإعفاءً، وهو يتحكم في هذه المسائل ويمكنه سد الشغورات”.
واستدرك: “رئيس الجمهورية ليس مسؤولا وحده عن عدم تشكيل المحكمة، بل أيضا مجلس نواب الشعب مسؤول، فرئيسه (إبراهيم بودربالة) قال إن أول قانون سيمرر هو قانون المحكمة الدستورية (وهو ما لم يحدث)”.
واعتبر الزكراوي أنها “مسألة حسابات ضيقة، ورئيس الجمهورية لا يريد أن تراقبه أي جهة”.
وبشأن ضرورة تشكيل المحكمة الدستورية، قال: “الموت لما أتى لرئيس إيران (إبراهيم رئيسي في تحطم طائرة 19 ماي الماضي) لم يستشر أحدا.. ولا يمكن أن ندير شأن الدولة بهذه الطريقة”.
الحركة القضائية
ووفق ابن مبروك: فإن المنتقدين “يتهمون الرئيس بأنه أنجز دستورا على المقاس ولفائدة نفسه، في حين أن الرئيس له نية تشكيل محكمة دستورية، ولم لم تكن له النية لما أوجدها في دستور 2022”.
وأضاف أن “تتشكيل المحكمة، وهذا مطلب المسار (حزبه)، يستوجب شروطا وظروفا أولها أن أعضاء الهيئة يُعينون بصفات ويأخذونهم من الوظائف العليا القضائية، وهي شاغرة حاليا”.
وتابع: “بالتالي من الاستحالة تشكيل محكمة دستورية حاليا، باعتبار أننا ننتظر الحركة القضائية في نهاية أوت المقبل، وعندها سيفكر الرئيس في إنشاء المحكمة للنظر في دستورية القوانين”.
وبخصوص احتمال حدوث شغور رئاسي قبل تشكيل المحكمة، قال ابن مبروك: “هناك صلاحيات تسيير تُحال إلى رئيس الحكومة وأخرى إلى رئيس البرلمان، فالدستور ليس منغلقا على رئيس المحكمة الدستورية في حالة الشغور”.
و”نتوقع بالتزامن مع الانتخابات أن يتم تتشكيل المحكمة الدستورية، فمن المحتمل حدوث اعتراضات على ترشحيات ما (في الانتخابات)، وعلى المحكمة الدستورية أن تنظر فيها”، كما ختم ابن مبروك.
وأواخر أفريل الماضي، أعلنت جبهة الخلاص الوطني، أكبر تجمع للمعارضة التونسية، اعتزامها مقاطعة الانتخابات الرئاسية بداعي “غياب شروط التنافس”، مع احتمال التراجع في حال تغيرت الأوضاع.

Tagged , , , ,