جدل واسع يتردد بالأوساط السياسية في تونس بعدما باشر المجلس الوطني للجهات والأقاليم عقد جلساته في الآونة الأخيرة، دون وجود قانون ينظم دوره وصلاحياته.
يرى البعض أن صلاحيات المجلس الجديد الذي يمثل الغرفة الثانية للبرلمان “غير واضحة”، مما قد يُعيق عمله ويُثير تساؤلات حول جدواه.
ويُجادل آخرون بأن غياب القانون المنظم لعمل المجلس “مؤقت وسيتم تداركه قريبًا”، لكن الأهم في المجلس هو أنه أحد أعمدة إنشاء ما يُعرف بـ”النظام القاعدي” في تونس القائم على تعزيز دور المواطن وتمكينه من السلطة.
والجمعة الماضي، انطلقت الجلسة الافتتاحية لـ”المجلس الوطني للجهات والأقاليم” بالعاصمة تونس، وجرى انتخاب عماد الدربالي رئيسا له.
يتكون المجلس من 77 نائبا يمثلون أقاليم تونس الخمسة، تم اختيارهم بانتخابات غير مباشرة من بين أعضاء المجالس المحلية بانتخابات مباشرة أُجريت على دورتين في 23 ديسمبر 2023، و4 فيفري الماضي تلاها اختيار أعضاء المجالس الجهوية والأقاليم.
ويعتبر المجلس الخطوة الأخيرة في تعزيز مؤسسات النظام السياسي الجديد، الذي شرع في إرسائه الرئيس قيس سعيد منذ اتخاذه الإجراءات الاستثنائية في 25 جويلية 2021.
وشملت تلك الإجراءات حل مجلس القضاء والبرلمان، وإصدار تشريعات بأوامر رئاسية، وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة، وإقرار دستور جديد عبر استفتاء.
وتعتبر قوى تونسية معارضة تلك الإجراءات “تكريسا لحكم فردي مطلق”، بينما تراها قوى أخرى “تصحيحا لمسار ثورة 2011” التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي.
غموض في الصلاحيات
من جانبه، أثار سهيل الرابحي، عضو الهيئة المديرة لجمعية “مراقبون” (أهلية معنية بمراقبة الانتخابات) مخاوف بشأن غموض صلاحيات “المجلس الوطني للجهات والأقاليم” وعلاقاته مع مختلف الجهات الأخرى في الدولة، وذلك في ظل غياب قانون ينظم عمله.
يقول الرابحي للأناضول إن المجلس “يفتقر لقانون أساسي” ينظم اختصاصاته وعلاقاته مع السلطة المركزية والسلطات المحلية الأخرى مثل البلديات وغيرها.
ويتساءل: “ماذا سيقدم المجلس الوطني للجهات والأقاليم؟ لا يوجد سوى المواد 84 و85 و86 من الدستور (التي تتحدث عن مهامه)، ولا يوجد قانون أو نظام أساسي ينظم دوره وصلاحياته”.
وتشير المواد الثلاث إلى أن “المجلس الوطني للجهات والأقاليم” تُعرض عليه مشاريع ميزانية وخطط التنمية، ولا يمكن المصادقة عليهما إلا بأغلبية هذا المجلس ومجلس نواب الشعب، الذي يمثل الغرفة الأولى للبرلمان.
كما توضح أن المجلس يملك صلاحيات الرقابة والمساءلة على تنفيذ الميزانية وخطط التنمية.
وفي هذا الصدد، يستنكر الرابحي عدم وجود قوانين تنظم اختصاص المجالس المحلية بمستوياتها الثلاثة (المحلية والجهوية والإقليمية).
ويقول: “إلى حد الآن لا يوجد قانون ينظم الاختصاص أو نظام أساسي يتحدث عن الأملاك والمرافق العمومية الراجعة للمجالس المحلية”.
ويردف متسائلا: “نحن لا نعرف هل لها أملاك ومرافق أم لا؟ هل لها ميزانية أم لا؟”.
ويضيف: “نحن كمجتمع مدني وجمعيات شريكة في مراقبة الانتخابات نطالب بإصدار قانون يخص المجالس المحلية والجهوية ومجالس الأقاليم ينظم صلاحياتها ومهامها”.
القوانين في الطريق
جلال القروي، عضو المجلس الوطني للجهات والأقاليم، اتفق مع سهيل في مسألة غياب القوانين المنظمة لعمل “المجلس الوطني للجهات والأقاليم” والمجالس المحلية الأخرى.
لكن القروي يؤكد لمراسل الأناضول أن هذا الوضع “مؤقت وسيتم تداركه قريبًا”، بحيث تصدر قوانين تحدد صلاحيات المجالس قبل حلول الأول من مايو/أيار المقبل، وفق قوله.
ويعتبر القروي أن التجربة الجديدة لـ”النظام القاعدي”، “تتطلب صبرًا لتسير الأمور إلى الأمام”، مُقارنًا الوضع الحالي بما كان عليه في زمن الرئيس الأسبق بن علي، حيث كان يتم تعيين أعضاء المجالس المحلية من الحزب الواحد الحاكم آنذاك (التجمع الدستوري الديمقراطي).
ويوضح أن الوضع تغير الآن، حيث بات أعضاء المجالس المحلية المنتخبة يُشاركون في تحديد ما يمكن إنجازه، بداية من مستوى المعتمديات (تقسيم إداري أصغر من الولايات).
“مهام المجلس واضحة”
أما محمود بن مبروك، أمين عام حزب مسار 25 جويلية (مساند للرئيس)، فيجادل بأن “مهام المجلس محددة بدستور 2022؛ فهو الغرفة الثانية للبرلمان”.
ومتحدثًا للأناضول، يشير بن مبروك إلى أن انعقاد الجلسة الافتتاحية للمجلس “يُمثل استكمالاً للمسار الانتخابي وتحقيقًا للخطة السياسية التي رسمها رئيس الجمهورية على المستوى التشريعي”.
ويوضح أن هذا يعني وجود برلمان بغرفتين، الأولى مجلس نواب الشعب والثانية المجلس الوطني للجهات والأقاليم الذي يُمثل امتدادًا لأعضاء الأقاليم والمجالس الجهوية والمحلية.
وبخصوص غياب النصوص القانونية المنظمة لعمل المجلس الوطني للجهات والأقاليم والمجالس المحلية الأخرى، يقترح بن مبروك إصدار منشور تفسيري للمجالس، مع التأكيد على أن عملها لا يبتعد عن نطاق العمل البلدي المعروف.
العلاقة مع مؤسسات الدولة
وعن العلاقة بمؤسسات الدولة الأخرى، يقول بن مبروك إن أعضاء المجلس الوطني للجهات والأقاليم “منتخبون يمثلون تطلعات الشعب وسياسة الرئيس في توزيع السلطة على كامل أفراد الشعب”.
ويعتبر أن لهم الصفة للتدخل لدى رئيس البلدية والمعتمد والوالي نيابة عن المواطن، “ممّا يُقرب المسؤول من المواطن”.
وبشأن إمكانية حدوث تداخل في الصلاحيات أو غموض فيها بين هذا المجلس والمجالس المحلية وسلطات الدولة الأخرى، يتوقع بن مبروك إصدار مناشير تفسيرية من الرئيس أو وزارة الداخلية أو “المجلس الوطني للجهات والأقاليم” لمعالجة إشكاليات أو تداخل الصلاحيات.
ويشدد بن مبروك على ضرورة التوضيح لتجنب الفوضى ورمي المسؤوليات.
أما القروي فيقول إن “الرئيس، إضافة إلى مهامه الدستورية، يؤكد على أهمية المجلس الوطني للجهات والأقاليم كمؤسسة دستورية تتعاون مع مجلس نواب الشعب في تحقيق الاندماج وتعزيز تمثيل المواطنين في سن قوانين خاصة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي”.
ويعتبر القروي أن “النظام السياسي الذي أقره دستور 25 جويلية 2022 متناغم مع مسار ثورة 17 ديسمبر 2010 “، التي أطاحت ببن علي.
ويرى أن “المهمشين” أصبحوا الآن “فاعلين ومشاركين في وضع التشريعات التي تُحقق تطلعاتهم”.