بعدما تخرجت الشابة التونسية فوزية المحضاوي بشهادة عليا من المعهد العالي للإعلامية والملتيميديا بولاية قابس جنوب شرقي تونس عام 2013 عملت في وكالة أسفار في البداية، بينما كانت تخالجها طموحات أكبر في المجال الإعلامي، إلا أن عاصفة “كورونا” هبت بقوة عامي 2020 و2021 لتُطيح بكل أحلامها.
فمع الضربة التي تعرض لها القطاع السياحي جراء الجائحة، فقدت فوزية (35 عاما) وظيفتها، وباتت تواجه تحديًا صعبًا.
لكن بدلاً من الاستسلام، اتخذت قرارًا جريئًا، وهو خوض غمار مغامرة جديدة في مجال إعادة تدوير النفايات العضوية عبر ذبابة “الجندي الأسود”.
فكرة المشروع
وحول المشروع، تقول المحضاوي، لمراسل الأناضول: “بعد جائحة كورونا إنهار الميدان السياحي (في تونس) فخسرت وظيفتي، إلا أنني لم أيأس، حيث سعيت لإنجاز مشروع لإعادة تدوير النفايات العضوية عن طريق ذبابة الجندي الأسود”.
وتعود فكرة مشروع فوزية إلى تعلقها بعالم الحشرات؛ نظرا للبيئة الريفية التي تربت فيها، والتي بعثت فيها الفضول لاقتحام هذا العالم، الذي اكتشفت فيه الكثير.
كما ارتبط مشروعها بمشكلة لطالما أزعجتها، وتتمثل في فضلات الخضار والفواكه والغلال التي تتراكم بعد نهاية يومي السوق الأسبوعي في مدينتها مدنين جنوب شرقي تونس، فينجم عنها مشاهد مؤذية للعين ومخاطر بيئية جمة.
وتوضح: “هذه الذبابة (الجندي الأسود) تمكننا من إعادة تدوير النفايات العضوية بطريقة صديقة للبيئة، وأنجزنا منها بالفعل سمادًا يتميز بخصائص عدة لا يمكن أن تجدها إلا عبر هذه الحشرة”.
وتشير إلى أن هذا السماد صالح لجميع النباتات، وجميع أنواع الأراضي الزراعية.
و”الجندي الأسود” نوع من الذباب معروف ومنتشر في أنحاء العالم، ولا يعتبر آفة أو ناقلا للأمراض سواء أكان في طور اليرقة أو الذباب البالغة. ويلعب دورا في تحلل المواد العضوية وإرجاع المواد الغذائية إلى التربة.
تحديات عديدة
لم يكن انجاز هذا المشروع سهلا كما تشير المحضاوي فقد كانت هناك تحديات عديدة، “فكيف ستأتي بهذا الذباب”، ومن أين؟ وكيف ستتعامل معه؟، وكيف ستنجز تكوينا (تدريبا) حوله؟”.
هذه الشق المعرفي للمشروع تغلبت عليه الشابة التونسية عبر الحصول على تدورات تدريبية وتأهيلية. فقد حصلت على تدريب في “فضاء المبادرة” (حكومي)، ثم دورة أخرى في “محضنة المؤسسات” في مدنين، وهي مؤسسة حكومية لتشجيع الشباب على تأسيس مشاريع خاصة.
وتلفت المحضاوي إلى صعوبات مالية واجهتها أيضًا؛ فعملية الإنتاج من المشروع مكلفة، حيث تتطلب معدات خاصة تُستورد من الخارج، وهناك حاجة لشهادات لابد من الحصول عليها وتحاليل وأشياء أخرى، “لكن خطوة خطوة وضعت نفسي على السكة الصحيحة، وذهبت في الاتجاه الصحيح”.
وتوضح أنها احتاجت إلى فترة بلغت عاما من التدريب ولإجراء ترتيبات تأسيس المشروع قبل التمكن من الإنتاج.
مراحل الإنتاج
وحول مراحل الإنتاج، خصصت الشابة التونسية عمالا يتولون نهاية كل يوم من يومي السوق الأسبوعي بمدينتها جمع بقايا النفايات العضوية التالفة لتقوم بمعالجتها، والتي أصبحت مادة أولية لمنتجها من السماد العضوي.
وتوضح المحضاوي أن “هناك دورة كاملة للوصول لإنتاج السماد (من النفايات العضوية عبر ذبابة الجندي الأسود)؛ إذ نأتي ببيض الذباب ونضعه في ظروف معينة خاصة للتفقيص والتكاثر، ثم نضع اليرقات مع النفايات العضوية التي نريد إعادة تدويرها”.
وتضيف: “في كل مرحلة من مراحل الإنتاج هناك مراقبة لقيم الحرارة والضوء والرطوبة”.
وتشير إلى أنه بعد معالجة النفايات، واستخراج السماد منها، يتم وضع يرقات هذه الذباب، التي دخلت في سبات، في قفص لإعادة نفس المسار مجددًا، مع نفايات عضوية أخرى.
سماد بفوائد لا تُحصى
وحول فوائد السماد المستخرج بفضل هذه الذبابة، تقول المحضاوي إنه يحتوى على مادة اسمها الكايتين، التي تُستخرج من جلد يرقات الذباب المنسلخ خلال نموها.
وتلفت إلى مادة الكايتين هذه تقوي النباتات، وتساعد على تحسين نموها، فضلاً عن أنها تحميها من الحشرات الموجودة في التربة فتقلل من استهلاك المبيدات.
وتضيف: “سمادنا الذي ننتجه أهم شيء فيه هو أنه يُصلِح الأرض؛ فالأرض الفقيرة يمكن أن تصبح صالحة للزراعة عند التسميد بهذا المنتج من 3 إلى 4 مرات، عكس السماد الكيماوي الذي يجب استعماله كل عام لتعطي الأرض نتيجة”.
وتذكر أن هذا السماد يساهم كذلك في حفظ الماء حول جذور النباتات فيقلل من استهلاكه.
وحول ذلك، توضح أنه في السنوات الأخيرة حدثت تغيرات مناخية كبيرة وارتفعت درجات الحرارة؛ ما أدى إلى تراجع مخزون المياه في السدود، لافتة أن الزراعة لا يمكن أن تجاري هذا الوضع.
وتشير إلى السماد المستخرج عبر ذبابة الجندي الأسود “يمكن أن يجعلك تستغني عن 50 بالمائة من استهلاك الماء، كما يمكن التسميد به صيفًا لأنه عامل تبريد”.
وتتابع: “هذا السماد لا يفرز أعشابا طفيلية مثل السماد العضوي المستخرج من فضلات الحيوانات الأهلية”.
مستقبل الغذاء للبشر
لن تكتفي المحضاوي بمنتج السماد من حشرة ذباب الجندي الأسود، بل تعمل على استخراج منتجات أخرى منه مثل الزيوت الغنية بالبروتينات، والدقيق الغني بالبروتين.
وتلفت في هذا الصدد إلى أن “ذباب الجندي الأسود سيكون مستقبل الغذاء للبشر؛ لأنه حسب الدراسات بعد 50 عاما ستنقص كثيرا المواد الغذائية وسيكثر البشر وسيوظف ذباب الجندي الأسود في حياتنا اليومية كغذاء”.
وتقول إن “هناك عديد الدول تستعمله في الغذاء الآن”.
وتوضح أنه يمكن عبر يرقة ذبابة الجندي الأسود استخراج الدقيق الغني بالبروتين من الأعلاف؛ لإنهاء مشكلة نقص اللحوم.
وتضيف: “هناك منتوج آخر نعمل عليه وهو الزيوت الغنية بالبروتين، الذي يفيد في تقوية العضلات عند إضافته للوجبات اليومية في تقوية العضلات. كما يمكن أن تدخل هذه الزيوت في صناعات مستحضرات ومراهم الاعتناء بالبشرة”.
وتستطرد: “سنُطوِّر هذا الحلم إلى الطموح للوصول إلى فلاحة عضوية كاملة وصفر نفايات عضوية”.
وتختتم المحضاوي حديثها بأمنية، قائلة: “أرجو نعود إلى الفلاحة الطبيعية ونبتعد عن الأسمدة الكيماوية وتأثيراتها السلبية على الإنسان الأرض والنبات”.
وتضيف: “أتمنى أن يوجه لنا الدعم المادي وأن نحصل على الشهادات الضرورية لترويج المنتوج، ونرجو كذلك تسهيل الإجراءات”.