على وقع إيقاعات السامبا والأغنيات، شهد كرنفال ريو دي جانيرو مساء الأحد أهم لحظاته، وهي الأولى من ليلتين تقدّم فيه كل منهما ستّ مدارس سامبا مرموقة عروضاً فخمة.
وهذا “اليوم الكبير” يقام في مجمع سامبودروم الذي يتسع لسبعين ألف مشارك، وهو عبارة عن منطقة مسيجة أنشأها المهندس المعماري أوسكار نيماير قبل 40 عاماً.
وقالت واندا فيريرا (33 عاماً) التي شاركت في الاستعراض “لقد بكيت قبل الاستعراض وأثناءه وبعده. خالجني سيل من المشاعر. لا أجد الكلمات اللازمة للتعبير”.
وكانت واندا ضمن المجموعة التابعة لمدرسة سالغويرو التي اختارت معالجة قضية ساخنة هي مصير شعب يانومامي الأمازوني الذي يواجه أزمة إنسانية ناجمة عن التنقيب عن الذهب بشكل غير قانوني مع ما كان لذلك من تبعات مرتبطة بالتلوث ونقص التغذية والوفيات.
وتضمّن موكب المدرسة جراراً يبدو وكأنه وحش شره، وطبيعة تنزف، حرفياً، وفي الوقت نفسه سكاناً أصليين بأحجام عملاقة يمثلون مقاومة هذا الاجتياح.
وبعدما بلغت مأساة هؤلاء مستويات رهيبة في عهد الرئيس اليميني المتطرف جايير بولسونارو (2019-2022)، فإن خليفته اليساري لويز إيناسيو لولا دا سيلفا يكافح من أجل تغيير الوضع.
وقال كيفن رودريغويس الذي شارك في الاستعراض أيضاً إن معالجة هذا الموضوع كانت “مهمة جداً”. وأضاف الشاب البالغ 22 عاماً “لقد جئنا لنظهر للجميع ما يحدث في منطقة الأمازون، وإزالة الغابات، وكيف يعامل شعب يانومامي”.
وفي مؤشر إلى مدى الاهتمام بقضايا السكان الأصليين، اختارت مدرسة أخرى هي غراندي ريو التعبير عن أساطير شعب توبينامبا من خلال نمر الجاغوار.
وتشهد عروض الكرنفال كالعادة مرور عربات ضخمة مع تمايل راقصات وراقصين بأزياء متلألئة على إيقاعات السامبا الحماسية مترافقة مع عروض ضوئية متطورة، وسط منافسة قوية بين المدارس المختلفة التي تحاول تقديم أفضل ما لديها أمام الجمهور وآلاف البرازيليين المتابعين عير شاشات التلفزة.
– معايير دقيقة –
وتستعد المدارس الاثنتي عشرة الأكثر شهرة منذ عام لانتزاع لقب البطل بعد أن تقدم كل منها عرضاً يستمر ما بين 60 و70 دقيقة. ويتولى محلّفون اختيار الأفضل بينها على أساس معايير دقيقة، ونوعية المركبات والأزياء، واختيار الموضوع أو تصميم الرقصات.
ومن المتوقع أن تخسر مدرسة بورتو دا بيدرا نقاطًا ثمينة بسبب مشكلة مزدوجة.
فقد فقدت أولاً قطعة من إحدى عرباتها أمام هيئة المحلفين. ثم أخذت في طريقها حاجز أمان، فأصيبت امرأة بخدوش في ساقها، وفقاً للأجهزة الصحية للبلدية.
وكما بورتو دا بيدرا التي يقع مقرها في ضاحية ساو غونثالو الفقيرة، تكون مدارس السامبا غالباً متجذرة الأحياء الفقيرة وأحياء الطبقة العاملة.
وتتناول استعراضاتها البرازيل وتاريخها وهويتها من خلال إبراز التقاليد الإقليمية، وتمجيد الشخصيات السوداء غير المعروفة، أو تلك الواسعة الشهرة كالمغنية ألسيوني.
فالسامبا ابتكرتها قبل نحو قرن مجتمعات تتحدر من العبيد الأفارقة الذين نُقلوا قسراً إلى البرازيل. ومنذ ذلك الحين، أصبحت رمزاً للثقافة الشعبية في ريو.- “مواطَنة المرح” –
ونفذت الشرطة انتشاراً كثيفاً حول سامبودروم لمنع الجرائم، فيما اتُخذت إجراءات لمكافحة وباء حمى الضنك، حرصاً على عدم إفساد حفلة ذات اثر اقتصادي كبير، إذ يتوقع أن تدر 5,3 مليارات ريال برازيلي (1,08 مليار دولار)على الاقتصاد البرازيلي خلال الأسابيع القليلة التي تسود فيها حمّى الكرنفال.
ويعمل ألكسندر ريس (52 عاماً) فنياً في مدرسة بيجا فلور. وقبل ساعات قليلة من دخوله إلى مكان الحادث، كان فريقه يتعامل مع حالة طارئة هي عبارة عن خلل في أضواء عربة ضخمة.
وقال “إننا نبذل عرقنا ودماءنا لأننا نحب” هذه المدرسة.
وفي الموازاة، يقام خلال النهار في جميع أنحاء المدينة ما يعرف بكرنفال الشارع، بقيادة الـ”بلوكوس” ومواكبها ذات الأنماط الموسيقية المتنوعة.
وقالت الكاتبة السوداء الكبيرة كونسيثاو إيفاريستو التي تم تكريمها السبت من قبل “بلوكو” في حي إيبانيما الأنيق المعروف بشاطئه البديع “أتمنى أن تُحدث لحظة الاحتفال هذه تحولاً” في المجتمع البرازيلي” وأن “يكون الجميع مندمجين، ليس بمواطَنَة المرَح، بل بمواطَنَة القانون”، في إشارة إلى انعدام المساواة في البرازيل.