أكد القاضي التونسي بمحكمة الجنايات الدولية هيكل بن محفوظ أنه “سيسعى كقاض تونسي وعربي الى تكريس تصور ورؤية قائمة على مشروعية الحقوق والمطالبة بها وعلى حق الضحايا في معرفة الحقيقة وحقها في جبرالضرر”
وقد تم انتخاب الأستاذ هيكل بن محفوظ في 6 ديسمبر الجاري لخطة قاض بالمحكمة الجنائية الدولية في إطار الدورة 22 لجمعية الدول الأطراف في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وهو أول تونسي وعربي يتولى هذه الخطة منذ إحداث المحكمة في سنة 2002
وهيكل بن محفوظ هو أستاذ تعليم عال في القانون العام اختصاص النزاعات المسلحة وقضايا الأمن والسلم الدوليين، درس في الجامعة التونسية طيلة 27 سنة ومتحصل على شهادة الدكتوراه في القانون العام سنة 2005 ،واشتغل بن محفوظ منذ جانفي 2022 مديرا للبعثة الجامعية التونسية بأمريكا الشمالية ، وهو أيضا خبير دولي لدى عدد من المنظمات الاممية والإقليمية في مجال إصلاح الامن وأرساء دولة القانون وإصلاح المؤسسات في المنطقة العربية وفي شمال إفريقيا .
وفي حوار مع وكالة تونس إفريقيا للانباء أبرز هيكل بن محفوظ أهمية محكمة الجنايات ودورها في حفظ السلم والأمن ورؤيته ومقاربته في وظيفته الجديدة إالى جانب مسار الشكاوى التي يتقدم بها الاطراف الى المحكمة الجنائية ودور القاضي بهذه الهيئة القضائية الدولية.
كما تطرق إلى آليات التصويت والتحركات الديبلوماسية التي افضت الى انتخابه قاضيا بالمحكمة .
وفيما يلي نص الحوار كاملا:
كيف ستكون مقاربة العمل للقاضي التونسي هيكل بن محفوظ في المحكمة الجنائية الدولية؟
سأسعى كقاض تونسي وعربي الى تكريس تصور ورؤية قائمة على مشروعية الحقوق والمطالبة بها وعلى حق الضحايا في معرفة الحقيقة وحقها في جبر الضرر، وعلى ان يكون عمل المحكمة وممارساتها تستجيب الى تطلعات الشعوب من حيث نوعية الجرائم والانتهاكات التي تقدم في شأنها شكاوى، حيث توجد جرائم في بعض المناطق ذات خلفية ثقافية او خلفية دينية اوعرقية او تمس البيئة والمحيط او تتعلق بالاتجار بالبشر، الى جانب الجرائم المتعلقة بالنزاعات المسلحة وجرائم الحرب والعدوان وغيرها في عدد من المناطق في العالم .
لدي اقتناع راسخ ان المحكمة الجنائية الدولية لا بد ان تكون مستقلة تماما، وان تكون ناجعة وناجزة وفاعلة، كما لابد ان تكون لهذا الجهاز القضائي الهام المشروعية والمصداقية المطلوبة وهي الاسس الثلاثة التي سيدافع عنها القاضي التونسي عند اداء مهامه بكل استقلالية وحيادية ومهنية .
انتخابي في هذه الهيئة كقاض تونسي يتجاوز شخص المرشح نفسه لانه يمثل منظومة قانونية تونسية ومنظومة قانونية افريقية عربية متوسطية راسخة في منظومة العدالة الجنائية وحماية حقوق الانسان التي سأسهر على احترامها وتنفيذها .
دور المحكمة الجنائية واهميتها كجزء من منظومة السلم والامن الدوليين في ظل الانتقادات الموجهة اليها؟
المحكمة الجنائية الدولية هي عنصر هام في منظومة السلم والامن الدوليين لان دورها هو المحافظة على السلم والتصدي والوقاية من الجرائم الجسيمة التي يمكن ان تتسبب في حروب او ابادة مجموعات عرقية دينية او تعتدي بشكل صارخ على الدول واستقرارها وتضرب الانسانية في وجودها وكرامتها .
وبالنسبة لجريمة العدوان فالمحكمة تلعب دورا هاما لانها تحقق السلم عن طريق العدالة، وفلسفتها والفكر الذي ترتكز عليه هو ألا يفلت احد من العقاب، وبقدر ما تكون المحكمة ساعية وفاعلة وناجعة وجامعة للدول بقدر ما تحظى بثقة المجموعة الدولية وتعكس التنوع والايمان الراسخ بان العدالة هي الطريق الوحيد لتحقيق الامن والسلم .
والمحكمة تستمد ايضا اهميتها في علاقتها المباشرة بمجلس الامن الدولي الذي هو من بين الاجهزة التي لها امكانية توجيه طلب للمحكمة للتتبع واجراء تحقيقات في بعض الحالات على غرار ما حدث في ليبيا سابقا.
الانتقادات الموجهة من قبل عديد الاطراف سواء كانت من قبل الدول نفسها او المجموعة الدولية او الراي العام الدولي والمجتمع المدني الدولي او الوطني حول اداء المحكمة في علاقة بالتتبعات ومدى تقدم مجموعة الشكايات، تجعلنا لا نحيد عن الايمان الراسخ بان القانون وعلويته وسيادته هو افضل ما يتاح للانسانية
في هذا الاطار وجب القول انه اذا حاولنا اليوم ان نؤسس محكمة الجنايات الدولية لاستحال الامر، وما توصلت اليه المجموعة الدولية سنة 1998 في احداث المحكمة (اعتماد نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية) يعتبر انجازا تاريخيا ومكسبا لابد من المحافظة عليه باعتبارها ترسخ قيما اساسية وتسعى لتحقيق العدل الى جانب دورها الوقائي ، وبالتالي فان المحكمة الجنائية تحتاج الى مزيد من الدعم ،على مستوى استقلاليتها ومواردها وقدرتها على العمل.
ورغم كل الانتقادات التي توجه اليها سواء من الدول الافريقية في فترة معينة او من دول اخرى في علاقة بتعاطي المحكمة مع مجموعة من القضايا وحالات الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي فان ذلك يجعلنا نتشبث بالمحكمة الجنائية الدولية وضرورة وجودها ونؤمن بدورها، لا ان نتراجع عنها وعن مشروعيتها.
هل من توضيحات حول مآل الشكاية التي تقدم بها المحامي الفرنسي جيل ديفرز في 9 نوفمبر 2023 نيابة عن 300 محام من العالم لدى المحكمة الجنائية وموضوعها “جرائم ابادة ضد الشعب الفلسطيني”؟
وجب التوضيح ان هيكل بن محفوظ لم يعد الجامعي المختص في القانون الدولي الانساني بل هو الان قاض منتخب وهناك واحب الحياد والتحفظ في بعض المسائل .
ومن الناحية الإجرائية، فإن كل ما يتعلق بفتح التحقيقات وإجرائها يُعتبر من اختصاص مكتب الادعاء العام، حيث ينظر القضاة في الملفات والحالات التي تحال إليهم بناءً على التحقيقات التي يُجريها المدعي العام.
وبناءً على ذلك، فإن مسألة تقدم التحقيق في حالة معينة أو فتح تحقيق في انتهاكات أو جرائم محتملة ليست من اختصاص القضاة، بل من اختصاص مكتب الادعاء العام، إذ تكون السلطات الأساسية، أو الجهات المسؤولة عن طلب فتح التحقيق والمتابعة، هي الدول الأطراف في اتفاقية روما، أو الدولة غير الطرف التي تقبل اختصاص المحكمة، بالإضافة إلى مجلس الأمن ومكتب الادعاء العام الذي يبدأ التحرك من تلقاء نفسه، مع وجوب الحصول على ترخيص للمحكمة.
فيما يتعلق بأدوار قضاة المحكمة الجنائية، يمكنهم تأييد التهم على المستوى التمهيدي أو التصديق على مدى مسؤولية الأشخاص المتهمين. فالقضاة يُمكنهم الحكم ببراءة الشخص المشتبه به أوالتتبع، أو الإدانة، ومن ثمة ينظرون في المسؤولية الجزائية والجنائية للشخص بعد الإدانة على التهمة، كما يمكن للقضاة إصدار قرارات بشأن التعويضات اللازمة للضحايا، سواء كانوا أفرادًا أو جماعات.
كيف تم ترشيحكم لهذه الخطة وكيف كان التحرك الديبلوماسي التونسي في العملية الانتخابية والتصويت ؟
عملية التصويت لمنصب قاض بالمحكمة الجنائية الدولية، معقدة وتدخل فيها عديد الاعتبارات ولكن الدعم السياسي والديبلوماسي والتحرك في اعلى المستويات هام جدا، وله دور في نجاح المرشح لاسيما عندما يحظى بالاحترام لكفاءته وتجربته وخبرته.
بالنسبة للعملية الانتخابية فان التصويت يكون من قبل 123 بلدا عضوا في النظام الاساسي لروما والمحكمة الجنائية الدولية والاعتبارات التي يتم اعتمادها في عملية التصويت هي الكفاءة والاستقلالية والحيادية الى جانب التوازن في التمثيل الجغرافي والاقليمي وفي المنظومات القانونية في العالم وهو ما تنص عليه المادة 36 من نظام روما الاساسي ٠
بطبيعة الحال دخل المترشحون في الانتخابات بحظوظ وتقييمات مختلفة وهناك لجنة تقييم الترشحات التي اصدرت تقريرها اواخر جويلية 2023 وصنفت المترشحين الى اربعة درجات والمرشح التونسي جاء ضمن الخمس الاوائل الذين نالوا اعلى درجة تقييم وهو “الكفاءة العالية” ولكن ذلك يبقى غير كاف لان رأي هذه اللجنة استشاري ، كما توجد اعتبارات اخرى تدخل في الشروط الدنيا للتصويت كاتقان اللغات والتوازنات الجندرية .
أهم شيء في التجربة التونسية كان المحافظة على حد ادنى من الاصوات لا يمكن النزول عنه اثناء كل الدورات الانتخابية ، وقد حالفنا الحظ في ان نكون منتخبين باعلى نسبة من التصويت لان المرشح التونسي حصل على 86 صوتا وبقية المترشحين حصلوا على اصوات اقل .
وبخصوص عملية الترشيح ، الدولة هي التي ترشح الشخص الذي ترى فيه الكفاءة والاستقلالية والحيادية والنزاهة العالية لتحمل مسؤولية قاض في محكمة الجنايات الدولية وقد قدمت طلبا لترشيحي الى وزارة الشؤون الخارجية ورئاسة الجمهورية الذين توليا مشكورين بدراسة الملف والمؤهلات العلمية والاكاديمية وعلى اثر ذلك وقع ترشيحي على المجموعة الافريقية لان المحكمة لها مجموعات اقليمية متعددة .
وقد سعت تونس الحصول على تأييد الاتحاد الافريقي لهذا الترشيح الى جانب منظمة المؤتمر الاسلامي وجامعة الدول العربية باعتبار الدعم الافريقي كان احد مفاتيح النجاح ، كما ان دعم هذه الاطراف يحفز الدول الاعضاء في هذه المنظمات الاقليمية للتصويت للمرشح التونسي اعتبارا لاهمية تواجد تونس في التجمعات الاقليمية والدولية
كما كان الانتماء الى مختلف التنظيمات الاقليمية العربية والمتوسطية والافريقية والفضاء الفرنكوفوني عنصرا فاعلا في تحفيز الدول على دعم ومساندة المرشح التونسي باعتباره يمثل التنوع والتعددية فضلا عن الكفاءة.
التحرك الديبلوماسي والسياسي هام جدا في دعم المرشح ، فعلى المستوى الاول المتعلق باعلى هرم في السلطة اي رئاسة الجمهورية فان تدخلها تم في مستوى تقديم الترشح والموافقة عليه وتوجيه رسائل دعم ومساندة لمختلف رؤساء الدول والحكومات في الدول الاطراف في المحكمة الدولية كما قامت وزارة الخارجية بمجهودات في التعريف برؤية المرشح والدفاع على اهمية تواجد مرشح تونسي عربي من شمال افريقيا في منظومة العدالة الجنائية الدولية
اضافة الى ذلك قامت البعثات الديبلوماسية التونسية بعمل هام للتواصل مع الدول ووزراء الخارجية في بلدان الاعتماد والتمثيليات الديبلوماسية متعددة الاطراف فضلا عما قام به المرشح من تحركات واتصالات لتكون الرسالة والرؤية واضحة ومقنعة ،وهنا نلمس اهمية ومصداقية الاحترام الذي تحظى به تونس في المحافل الدولية