(وات/ مكتب نابل) – تضمّن البيان المشترك بين تونس والاتحاد الأوروبي والذي تم التوقيع عليه أمس الأحد بقصر قرطاج عديد النقاط من بينها بعث شراكة في مجال الطاقة المستدامة والتنافسية، من شأنها “المساهمة في تحقيق الانتقال الطاقي الأخضر في تونس وخفض التكاليف ووضع إطار ملائم للتبادل في مجال الطاقات المتجددة والاندماج في السوق الأوروبية المشتركة”.
هذا البند من البيان الموقّع بمناسبة اللقاء الذي جمع رئيس الجمهورية، قيس سعيّد برئيسة المفوضية الاوروبية، أورسولا دير لاين ورئيسة مجلس الوزراء الإيطالي، جورجيا ميلوني والوزير الأول الهولندي، مارك روته، سيكون الوطن القبلي (ولاية نابل )، معنيّة بتجسيمه من خلال مشروع الربط الكهربائي بين تونس وإيطاليا والذي سينجز على أربع سنوات (2028/2024)، بتكلفة جملية تقدر ب840 مليون يورو.
هذا المشروع سيربط بين صقلية (جنوب إيطاليا) وقليبية (ولاية نابل)، بكابل بحري على طول 107 كلم، ليوجّه بعد ذلك بكابل تحت أرضي، على طول 5 كلم، إلى المنطقة الصناعية “الملاعبي” من معتمدية منزل تميم، ثم إلى المحطة الكهربائية بمرناق، عبر خط هوائي على طول 113 كلم، مرورا بولايات بن عروس وزغوان ومنوبة.
وقد شهدت دراسات هذا المشروع والتي شملت المسار البحري والأرضي والتأثيرات البيئية والانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية (انطلقت منذ 2020 بتمويل في شكل هبة من البنك الدولي ب12،5 مليون دولار)، تقدما هاما، على أن تستكمل في 2023.
وقد حظي الطلب الذي تقدمت به تونس للاتحاد الأوروبي، بإدراج هذا المشروع ضمن تمويلات الربط الكهربائي بين الدول الأوروبية، بالموافقة وذلك للمرة الأولى، بين بلد أوروبي وبلد من خارج الاتحاد، بعد تقييم الانعكاسات الإيجابية الكبيرة للمشروع.
وتحصّلت تونس، في هذا الاطار، وفق وكيل مكتب الدراسات، سامي عمارة، في تصريح سابق لوكالة تونس إفريقيا للأنباء، على هبة من الاتحاد الاوربي قدرها 307 ملايين يورو، وهو ما يمثل حوالي 37 بالمائة من الكلفة الجملية للمشروع، ملاحظا أن البنك الدولي عبّر عن استعداده لتمويل المشروع في إطار قرض يُسند للدولة التونسية التي ستوجهه للشركة التونسية للكهرباء والغاز “الستاغ”، قصد إنجاز هذا المشروع الذي من المنتظر الشروع في إنجازه في 2024 على أن يدخل فعليا طور الاستغلال في سنة 2028.
وتكمن أهمية المشروع الذي ينجز في إطار التبادل الحيني للطاقة بين تونس وإيطاليا، في تمكينه تونس من النفاذ إلى نحو 600 ميغاوات من الكهرباء، “كلما اقتضت الحاجة لذلك وسيفتح أمامها آفاقا كبيرة لتصدير الكهرباء المنتج من الطاقات المتجددة”.
وكانت ولاية نابل شهدت كذلك في شهر سبتمبر 2022 إطلاق أول برنامج تونسي ألماني لتطوير قطاع الهيدروجين الأخضر في تونس، بمحطة الطاقة الهوائية بسيدي داود بالهوارية. وهو مشروع هام يهدف بالخصوص إلى إنتاج الهيدروجين الأخضر، انطلاقا من الطاقة الكهربائية النظيفة المتأتية من الرياح التي تنتجها محطة سيدي داود.
كما سيساهم هذا المشروع في تجديد محطة سيدي داود التي تعود تجهيزاتها لأكثر من 20 سنة، فضلا عن تطوير قدراتها وتوظيفها في تحلية مياه البحر وفي إنتاج الهيدروجين الأخضر.
ويتوقع أن تتعزز مساهمة ولاية نابل في الانتقال الطاقي للبلاد التونسية، خاصة بإنجاز مشروع لإنتاج الكهرباء من طاقة الرياح، بجبل سيدي عبد الرحمان، بطاقة 200 ميغاوات، أي نحو 4 أضعاف طاقة محطة الرياح بسيدي داود من معتمدية الهوارية وباستثمارات جملية تفوق 600 مليون دينار. وقد بلغ هذا المشروع مرحلة الدراسات وهو “قادر، إذا تم إنجازه، على تعزيز مسار الانتقال الطاقي لتونس”، وفق المختصين في هذا المجال .
ولا شك أن مشاريع الربط بالكابل البحري بين ايطاليا وتونس وإنتاج الهيدروجين الاخضر ومشروع انتاج الكهرباء من الرياح بجبل سيدي عبد الرحمان، تكتسي أهمية بالغة، إذ ستصبح بفضلها ولاية نابل، منصّة محورية في بناء منظومة الانتقال الطاقي في تونس.
وممّا يُكسب هذه المشاريع الأهمية المرجوّة منها، مساهمتها المرتقبة في فتح آفاق أرحب أمام جهة نابل، لتكون ولاية نموذجية لتجسيم مقاربة التنمية المستدامة التي توظّف الطاقات المتجددة وتثمنها، لا فقط بتحقيق الانتقال الطاقي، بل كذلك في تكريس مفاهيم التنمية المستدامة والاقتصاد الاخضر، حتى في قطاعاتها التنموية التقليدية وخاصة منها الفلاحة والسياحة والصناعات المعملية.
يُذكر أن الرئيس قيس سعيّد كان توقّف أمس الأحد مع ضيوفه الأوروبيين (رئيسة المفوضية الأوروبية ورئيسة مجلس الوزراء الإيطالي والوزير الأول الهولندي)، في الفضاء الخارجي لقصر قرطاج، المطلّ على البحر، وأوضح لهم وهو يُشير إلى الوطن القبلي، أنّ التسمية الفرنسية CAP BON، لا علاقة لها بالتسمية العربية، ملاحظا أن “الوطن” الذي كان يعني من بين ما يعنيه “موطن الإنسان ومحلّه”، يُوصف بأنه “قبلي”، نظرا لاتجاهه نحو الشرق ونحو القبلة على وجه الخصوص.
وأضاف أن “الوطن القبلي” كان يُسمّى “رأس الدار”، كما أوضح ذلك الجغرافي الأندلسي، أبو عبيد البكري وأن هذه المنطقة كانت تُعرف عند الرومان ب Promontoire de Mercure أو Beau Promontoire.