على عكس السنوات الماضية، بدت مزارع الحبوب شمال تونس جرداء خالية من مروج القمح والشعير، التي كانت تكتمل في بدايات ماي من كل عام.
وعلى طول الطريق الفاصل بين العاصمة تونس ومدينة مجاز الباب (شمال) كان لون التراب طاغ على حقول، كان يفترض أن تكون عامرة بسنابل القمح والشعير.
سنبلات غير مكتملة النمو هنا وهناك ومزارعون يواجهون مصيرا صعبا، في موسم سيغيب عنه صوت محركات الحصّادات وحركة العمال الذين عادة ما ينقلون أكياس القمح والشعير وحزم التبن والأعلاف.
جفاف غير مسبوق
جلال العبيدي، وهو مهندس وفلاح بمنطقة مجاز الباب (شمال)، كان يرقب الكارثة التي حلت بالموسم الفلاحي في حيرة، فسنابل القمح والشعير التي كانت تتمايل قبل سنوات في مثل هذا الوقت من ماي، اختفت أو تكاد.
العبيدي الذي استقبل الأناضول في مزرعته قال متحسرا: “الجفاف تام والنباتات لها دورة نمو وحاجات للماء لم تتلقاها هذا العام، فلن يكون هناك حصاد في هذه المنطقة ماعدا الزراعة المروية “.
وأضاف العبيدي: “أما الزراعة البعلية، فحسب الخبراء التابعين للدولة الذين زاروا المنطقة، فإن الجفاف ضربها في هذه المنطقة بنسبة 100 بالمئة”.
وتابع: “طبعا هذا له تبعات على الموسم القادم، والفلاح دفع استثمارات كبيرة، فالهكتار الواحد في الزراعات الكبرى يتكلف ألف دينار (نحو 300 دولار)”.
“صندوق التعويض (حكومي لتعويض الفلاحين في حالات الجوائح الطبيعية كالجفاف وغيره) سيعوض بنسبة معينة ولكن لا يعطيها في الوقت المناسب، ليتدارك المزارعون العام المقبل”، أضاف العبيدي.
وزاد: “هذا الموسم سيكون أيضا صعبا على تربية الماشية التي تحتاج إلى الغذاء”.
تربية الماشية مهددة
وحول مواجهة هذا الوضع، قال العبيدي: “المزارعون الذين يستحق عليهم ديون لصالح مزودي البذور والأسمدة والبنوك، سيبقون تحت هذا الضغط، وقد لا يتمكنون من الاقتراض مجددا”.
ولينجح الفلاح في الزراعة وخاصة الحبوب، يقول: “لا بد من تنويع عمله.. مثل تربية الماشية وزراعة أشجار مثمرة، لأن هناك تكامل بين الأسمدة العضوية وإنتاج الأعلاف مثل التبن”.
وأضاف: “إذا لم يكن هناك إنتاج قمح وشعير، فلن تكون هناك تربية حيوانات، واليوم ليس لنا مخزون أعلاف.. فليست هناك استراتيجية للتخزين”.
موسم كارثي
أيمن الشواشي رئيس الاتحاد المحلي للفلاحين (نقابة) بمعتمدية مجاز الباب، هو مهندس زراعي شاب اختار العمل الفلاحي والدفاع عن مصالح مزارعي الجهة.
وقال الشواشي للأناضول: “لنكن موضوعيين، تقييمنا للموسم الفلاحي كارثي، فليس لنا صابة (محصول) نتحدث عنها.. نتحدث عن أن ثلث المساحة المزروعة فقط سيتم حصادها.. الباقي لن يتم حصاده”.
وتابع: “تأثير المحصول السيئ سيكون كارثيا على تربية الماشية في الموسم القادم 2023/2024.. والجفاف يؤثر على منظومات الإنتاج”.
وحول الوضع في المناطق السقوية (الزراعة المروية)، قال الشواشي: “لا يمكن التحدث عن مناطق مروية في مجاز الباب، لأن ماء الري لا يصلنا، نحن نضخ من سد سيدي سالم (معروف بسد وادي الزرقة أيضا) فيه 95 مليون متر مكعب، تم استغلال معظمها لأنها تمد 5 ولايات”.
بانتظار تقييم نهائي
وحول مواجهة الدولة لتأثيرات هذا الموسم الاستثنائي، من حيث قلة المحاصيل المتوقعة، قال الشواشي: “اللجنة الوطنية لتقييم الكوارث (حكومية) زارت المنطقة زيارة أولى لتقييم الوضع، في انتظار التقييم النهائي الذي سيتم نهاية هذا الشهر”.
“التقييم الأولي للمنطقة، أكد أنها تواجه الجفاف بنسبة 100 بالمئة”، أضاف الشواشي.
وتحدث الشوشاي عن الكولزا، وهي نبتة يستخرج منها الزيت النباتي، وتستغل مخلفاتها في أعلاف الحيوانات.
وقال: “الكولزا هي نبتة مقاومة للجفاف وغطت مصاريفها هذا العام، مقارنة بالزراعات الأخرى التي سيسجل الفلاح فيها خسائر كبيرة”.
وفي تصريحات سابقة لوكالة الأنباء الرسمية التونسية، توقع عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الفلاحة والصيد البحري المكلف بالزراعات الكبرى محمد رجايبية، تجميع 2.5 مليون قنطار من الحبوب على أقصى تقدير في مختلف مناطق الإنتاج خلال الموسم الحالي 2022-2023، مقابل 7.4 ملايين قنطار إنتاج السنة الماضية.
ونهاية مارس الماضي، أعلنت وزارة الفلاحة التونسية ولأول مرة، تقسيط توزيع الماء الصالح للشرب حتى نهاية سبتمبر المقبل.
وبدأ قطع الماء ليلا في عديد أحياء تونس العاصمة، منذ نهاية مارس الماضي، ضمن نظام لجدولة توزيع المياه على مختلف إنشاء البلاد، ولتوفير الاستهلاك.
وفي بيان رسمي قالت وزارة الفلاحة، إن “البلاد تبدأ رسمياً نظاماً مؤقتاً للتزود بالمياه الصالحة للشرب، وتمنع استعماله في الزراعة وسقي المناطق الخضراء وتنظيف الشوارع وغسيل السيارات، بسبب موجة الجفاف الحادة التي خلفت سدوداً شبه فارغة”.