يدق مستثمرون ومحللون ناقوس الخطر من أن تونس ومصر على شفا أزمة ديون كبرى قد تؤثر على منطقة شمال أفريقيا المضطربة وتضع دول الخليج الثرية أمام خيارات صعبة.
يواجه البلدان بالفعل تحديات بسبب نقص السلع الأساسية واختلال في الأسواق المالية. كما تشهد تونس أزمة سياسية نجمت عن إحكام الرئيس قيس سعيّد قبضته على السلطة وقمع المعارضين.
وهناك اعتقاد راسخ منذ فترة طويلة بأن مصر أكبر من أن يُسمح لها بالانهيار فهي أكبر اقتصاد في شمال أفريقيا والأكثر من حيث عدد السكان. لكن لتونس أيضا أهمية كبيرة باعتبارها مهد الربيع العربي ويفترض أنها قصة النجاح الوحيدة في الانتفاضات التي شهدتها المنطقة.
تونس
وما زالت تونس يحدوها الأمل في الحصول على دعم طال انتظاره من صندوق النقد الدولي على الرغم من استمرار المخاوف حيال مدى التزامها بأي برنامج في ظل الانقسام السياسي.
وانتقد سعيّد صندوق النقد قائلا إن تونس لن تذعن لما وصفها بأنها إملاءات بشأن خفض دعم الغذاء والطاقة وفاتورة أجور القطاع العام، محذرا من أن ذلك قد يؤدي إلى تجدد الاضطرابات الاجتماعية.
وقال مات فوجل مدير أصول الأسواق الناشئة لدى إف.آي.إم بارتنرز “في ضوء السياسات الحالية، علينا أن نتساءل عما إذا كان أي برنامج لصندوق النقد الدولي سيصمد في المراجعة الأولى أو الثانية”.
لكن بدون مساعدة مستدامة يقدمها الصندوق، ستواجه البلاد أزمة شاملة في ميزان المدفوعات.
تدفع تونس واحدة من أعلى فواتير الأجور في القطاع العام في العالم، ويعني هذا أن عجز المالية العامة سيظل عند نحو خمسة بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، بحسب تقديرات جيه.بي مورجان. في حين يحذر مورجان ستانلي من أن احتياطي النقد الأجنبي لن يكفي تغطية واردات السلع الأساسية لمدة شهرين حتى في مثل هذا الوقت من العام المقبل في ضوء المعدل الحالي للسحب من تلك الاحتياطيات .
وقد يصبح سداد الديون مهمة شبه مستحيلة. ومعظم قروض البلاد محلية، لكن عليها سداد قرض أجنبي بقيمة 500 مليون يورو في أكتوبر تشرين الأول ثم سداد آخر في فبراير شباط المقبل.
ويحذر مات روبنسون كبير المحللين في وكالة موديز للتصنيف الائتماني قائلا “هناك دائما احتمال بأن يتأخر برنامج صندوق النقد لفترة طويلة بحيث عندما يأتي يكون قليلا جدا وبعد فوات الأوان”.
وعن مخاطر التخلف عن السداد قال روبنسون “قد يحدث هذا في النهاية. هذا ما يشير إليه تصنيفنا المنخفض”.
مصر
تتعرض المالية العامة في مصر لضغوط رغم الاتفاق على برنامج إنقاذ بقيمة ثلاثة مليارات دولار مع صندوق النقد في ديسمبر كانون الأول.
وتقترب نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي بسرعة من مئة بالمئة. كما فقد الجنيه 50 بالمئة بعد خفض قيمته ثلاث مرات في فترة عام تقريبا مما يعني أن مدفوعات الفائدة على الديون وحدها – التي يتم اقتراض جزء كبير منها بالدولار أو اليورو أو الين – ستبتلع أكثر من نصف عوائد الحكومة العام المقبل، وفقا لوكالة فيتش.
وخفضت فيتش التصنيف الائتماني لمصر مجددا يوم الجمعة الماضي.
ويضر نقص الدولار في أسواق العملات المحلية بشدة بالاقتصاد.
ويجري تداول الدولار الآن عند أكثر من 40 جنيها في السوق الموازية، أي أعلى بنحو 25 بالمئة من سعر الصرف الرسمي للدولار على الرغم من الخفض المتكرر للعملة المحلية وأسعار الفائدة التي قفزت إلى 18.25 بالمئة.
ويعتقد العديد من خبراء الاقتصاد أن أسعار الفائدة سترتفع عن هذا المستوى بكثير، وكل ذلك لدعم رؤية اقتصادية مثيرة للجدل قبل الانتخابات الرئاسية العام المقبل.
وقال ديفيد باتر الزميل المشارك في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التابع لمؤسسة تشاتام هاوس البحثية ومقرها لندن “بالنسبة للسكان، في الفترة حتى تفشي الجائحة كان هناك تحسن هامشي في مستويات المعيشة”.
وأضاف “لكن منذ أواخر عام 2021، عدنا إلى هذه الدوامة من عدم الاستقرار في سوق الصرف والتضخم الجامح”.
وتنفي حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي أي أحاديث عن التخلف عن السداد. ومن أجل سد فجوات التمويل، تستهدف بيع أصول مملوكة للدولة بقيمة ملياري دولار بحلول نهاية يونيو حزيران.
وهذه خطوة بالغة الأهمية سواء بالنسبة لصندوق النقد الذي يتوقع أن تغطي عمليات البيع ما يقرب من نصف فجوة التمويل البالغة 17 مليار دولار على مدى السنوات الأربع المقبلة، أو بالنسبة لدول الخليج الحليفة، السعودية والإمارات وقطر، التي دعمت البلاد بالكثير من الأموال.
وتتخذ تلك الدول حاليا موقفا أكثر صرامة، وهو ما عزاه محللون إلى السياسات الإقليمية والاختلافات حول تقييم الأصول التي ستباع، على الرغم من بعض التصريحات الإيجابية.
وصرح وزير الاقتصاد الإماراتي عبد الله بن طوق المري لرويترز خلال زيارة قام بها في الآونة الأخيرة إلى لندن بأن “الإمارات ومصر ستقفان معا دائما” مضيفا أن تمويل البنية التحتية أظهر أن العلاقة بين البلدين “عميقة جدا وقوية للغاية”.
عواقب كبيرة
بالنسبة لشركات إدارة الأصول، كان هناك انخفاض مؤلم بنسبة 20 بالمئة في قيمة السندات الدولية المصرية التي تقترب من 30 مليار دولار هذا العام.
وتشهد إيرادات قناة السويس وعائدات السياحة تحسنا، لكن يتعين على القاهرة أن تسدد 5.8 مليار دولار من قيمة أصل السندات والفوائد المستحقة عليها في العام المقبل، في الوقت الذي تمثل فيه تلك السندات وزنا بواقع اثنين بالمئة في أكثر مؤشرات ديون الأسواق الناشئة متابعة.
ويقول كارل روس الخبير في أزمات الأسواق الناشئة لدى جي.إم.أو لإدارة الأصول إنه سيتعين على دول الخليج الموازنة بين كُلفة دعم مصر ومخاطر عدم الاستقرار الإقليمي في حال انهيار الدولة التي يبلغ عدد سكانها 110 ملايين نسمة.
وأضاف روس “إذا حدث تخلف عن السداد لن يمر الأمر دون عواقب كبيرة”.
وأشار إلى أن “دول الخليج الثرية عززت بشكل عام الاستقرار المالي في المنطقة” من خلال المساندة التي قدمتها لكن “لا أحد يعرف إلى متى سيستمر هذا وتحت أي ظروف”.