في مدينة المعمورة التابعة لولاية نابل شرقي تونس، تشرع المسنة داودة بن سالم منذ ساعات الصباح الأولى، في تقطير بتلات الورد الجوري وزهر النارنج والعطرشاء، بطريقة تقليدية.
المسنة داودة (66 عاما) حافظت على استخلاص ماء الورد وغيره من الزهور بطريقة تقليدية، ورثتها عن أمها وجدتها.
طريقة تقليدية
أوقدت داودة الحطب ووضعت فوقه قدرا نحاسيا بعد أن ملأته بالزهور والورود والماء ومن ثمة أغلقته بغطاء يتوسطه أنبوب ليكون مسار بخار يتحول إلى قطرات ماء معطّرة في نهاية المطاف قبل أن يمر بوعاء كبير مملوء بالماء البارد مخصص للتبريد.
ومع القطرات الأولى، انبعثت رائحة ذكية وعطرة، هي رائحة ماء الورد الجوري الذّي يستعمل لاحقا في عدة استخدامات تجميلية وصحية وغذائية.
العملية نفسها، تقوم بها المرأة مع باقي الزهور على غرار زهر النارنج والعطرشاء والنسرين.
وفي وصفها لطريقة تقطير الزهور تقول داودة : عملية تستغرق ما لا يقل عن أربع ساعات بالنسبة إلى الورد وثلاث ساعات بالنسبة إلى الأرنج والعطرشاء.
أكثر جودة ونفعا
وتشارك داودة في عدة معارض مخصصة للحرف والصناعات التقليدية والتراثية بعدد من المحافظات على غرار العاصمة تونس وأريانة ونابل ووصفاقس وزغوان منذ سنة 2008، وفق ما تقول للأناضول.
ولفتت الحرفية إلى أن “تقطير الورود بالطريقة التقليدية بدأت للأسف بالاندثار نظرا لما يشهده العالم من تطور، إضافة إلى أن الشباب اليوم يريد طرقا أسرع وأنظف بعيدة، واكثر ربحا للوقت”.
وأضافت داودة: “ورثت هذه المهنة عن جدتي وأمي وأم زوجي، وأنا أفضل الطريقة التقليدية لأنها تعطينا نوعية ماء ورد أفضل وأكثر جودة ومنافع”.
وتضيف “كما أن هذه الطريقة أقل تكلفة من عملية تقطير الزهور باعتماد الغاز، وهي تمنحنا أيضا رائحة أذكى بكثير.”
وحول الأسعار قالت داودة، إنها ” تتراوح بين 50 دينار (16,49 دولارا) للتري الأرنج و ما بين 50 و45 دينارا (14,84 دولارا) لنفس الكمية من ماء الورد فيما يصل اللتر الواحد من ماء النسرين إلى 60 أو 70 دينارا (19,79 أو 23,09 دولارا).
لفتت إلى “ضرورة اختيار النوعية الجيدة من مياه الزهور والاحتياط من بعض من يعمدون إلى عمليات غش عبر إضافة مياه شرب لمياه الزهر والورد وغيرها”.
كما شددت داودة على أن ” العمل بضمير وإتقان يجعل الحرفي محل ثقة دائمة من قبل زبائنه وهو ما يجعلهم يعودون إليه مع كل موسم لاقتناء ما يقوم بتقطيره”.
وتنصح داودة الجميع “بالمحافظة على مثل هذه العادات التقليدية المهددة بالاندثار مع ما تشهده الحياة من متغيرات”.
وتقول: “لأحافظ على هذه العادة وعلى طريقة تقطير الزهور التقليدية، فإنني عملت على توريثها لبناتي، واليوم أيضا أقوم بتعليم حفيداتي منذ الصغر وترغيبهم في عاداتنا الجميلة حتى تبقى موروثا لا يمّحي عبر الأجيال”.
التجميل
وقال زهير بالمين رئيس جمعية “صيانة مدينة نابل” (مستقلة) الذّي التقته الأناضول في مهرجان “زهر النارنج” بنابل الذي أأقيم ما بين (28 إلى 30 أفريل الماضي)، إن “للزهر مكانة خاصة بالنسبة إلى سكان نابل وأن استعمالاته متعددة ولا يمكن الاستغناء عنه، فهو عندهم عبارة عن مرهم صحي صالح لكل شيء “.
وتتعدد استعمالات مياه الزهر على اختلاف أنواعها (ورد أو نارنج أو عطرشاء أو نسرين) فمنها ما يستعمل في مستحضرات التجميل وماسكات الوجه، ومنها ما يستخدم للطهو وإضفاء نكهات على الطعام كما تستخدم كبدائل أدوية لتخفيف آلام البطن أو الراس”.