بشكلها الدائري المتشابك ولونها الذهبي تتربع الزلابية على عرش حلويات شهر رمضان المعظم لتزين موائد وسهرات أغلب العائلات في تونس وتقدم بالمناسبات والضيافات كـ”هدية فاخرة” وفي المساجد قبيل الصلاة.
وتشهد الزلابية وهي من الحلويات الشعبية، إقبالا غير مسبوق في شهر الصيام إذ ارتبطت به ارتباطا وثيقا وأصبحت سرا من أسراره على المائدة التونسية.
وعرفت مدينة نابل شرق العاصمة تونس بحلويات الزلابية التي تقدم في “محابس” (أوان فخارية) مصنوعة من الفخار الذّي تتميز المدينة به.
والزلابية” من الحلويات الضاربة في القدم والتي لها تاريخ يعود إلى عهد الدايات والبايات الحسينيين (1705/ 1957).
تجذر في التاريخ
ويقول يحيى الغول، أستاذ التاريخ المعاصر بالجامعة التونسية (متقاعد) والمختص في تاريخ ولاية نابل، إن “من عناصر التراث الأصيل لمدينة نابل في شهر رمضان حلويات الزلابية ومدفع الإفطار الذّي يؤذن ببدء الإفطار فضلا عن الصف وهو عبارة عن استعراض يقوم به جنود وسط المدينة”.
ويضيف الغول: “كانت حرفة صناعة الزلابية بيد ثلاث عائلات نابلية أهمها عائلة النجار التي توارثت المهنة أبا عن جد وأصبحت عنوانها ويأتيها الزوار من بعيد لشراء هذه الحلوى”.
“ما جعل عائلة النجار متأصلة في هذه الحرفة هو أن الزلابية التي تعدها لها مذاق وشكل لا مثيل له يميزها عن غيرها حتّى أنها أصبحت فريدة من نوعها”، يتابع المؤرخ التونسي.
ويكمل: “لو عدت حتى بعد 10 سنوات إلى هنا لأتذوق زلابية نابل سأجدها كما هي بنفس المذاق. فيها أسرار لا يعرفها سوى من يتقنها ويحافظ عليها على مدى عصور وهذا ما جعل عائلة النجار متجذرة في تاريخ إعداد هذه الحلوى”.
وحول تاريخها يقول الغول، إن “الزلابية قدمت من الشرق وهناك من يقول إنها تعود إلى عهد الدولة العباسية كما هناك من يؤكد أنها تعود إلى الدولة العثمانية وهذا ما أرجحه”.
ويتابع قوله: “عرفت الزلابية خاصة مع عهد الدايات والبايات الحسينيين والباي في التاريخ العثماني هو الوالي ويسمى أيضا قائد الوجق (وحدة عسكرية عثمانية)”.
وكان باي تونس يتلقى في شهر رمضان هدية مقدمة من عائلة النجار النابلية متمثلة في حلويات الزلابية، حسب المؤرخ التونسي.
ومنح الباي حينها لهذه العائلة العريقة شهادة كفاءة وأخرى تثبت أن حلوياتهم مطابقة لكل الشروط الصحية.
وكانت حينها الزلابية تشد الرحال من مدينة نابل إلى “الحاضرة” تونس العاصمة على قافلة من الجمال وتملأ في محابس مصنوعة من الفخار النابلي لتتوجه إلى قصر باردو أو قصر المرسى حيث كان يقطن بايات تونس.
حلويات شعبية
من جهته، يقول التونسي أنور النّجار، الذّي التقته الأناضول وهو في متجره بصدد إعداد الحلويات الشهيرة، إن “الزلابية حلويات شعبية يختص بها شهر رمضان دون غيره وتستمد شعبيتها من أنها تزين موائد كل التونسيين دون استثناء وتقدم عند الزيارات وفي المناسبات والسهرات الرمضانية كما توزع في الجوامع”.
ويضيف النجار: “توضع الزلابية في أوان فخارية مغلفة من الداخل بورق صحي وتغلق جيدا حتى تحفظ لوقت أطول وتحافظ على قرمشتها ومذاقها الأصلي”.
وورث أنور النجار هذه المهنة عن أجداده، ويشير إلى أن “زلابية النجار سافرت إلى عدة بلدان وشاركت في عدة تظاهرات طبخ دولية”.
ويقول: “كان لعمي عبد القادر النجار مشاركات في عدة معارض دولية في كل من فرنسا والولايات المتحدة وإيطاليا وبلجيكا للتعريف بصناعة الزلابية”.
وعن طريقة تحضيرها يتحدث النجار قائلا: “يتم أولا خلط المكونات المتمثلة في الدقيق والكركم والماء والخمائر حتى نحصل على عجينة نتركها جانبا لمدة ثلاثة أيام مع مراقبته باستمرار حتى تتخمر”.
وبعد انقضاء المدة يتم إخراج الهواء والغازات من العجينة لتصبح قابلة للقلي وهنا يكمن سر الحصول على زلابية أصيلة، كما يوضح صانع الحلويات التونسي
ولعل أبرز ما يميز الزلابية التونسية أن أسعارها شعبية بمتناول الجميع مقارنة ببقية الحلويات.
ويقبل التونسيون من كل أنحاء البلاد على زلابية نابل فهناك من يشتريها يوميا والبعض يقتني كمية كبيرة تكفيه عدة أيام فيما يفضل آخرون تقديمها عند الزيارات والضيافات.