سياسة

قيس سعيّد واتحاد الشغل.. اتجاه للقطيعة أم التسوية؟

الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي مع الرئيس قيس سعيّد

خلال الأسابيع الماضية، تصاعدت الأزمة بين الاتحاد العام التونسي للشغل والرئيس قيس سعيّد، في واحدة من أكبر الأزمات بين الطرفين خلال الفترة الأخيرة.
ورغم توافقهما السابق، شنت السلطة التنفيذية برئاسة سعيّد حملة اعتقالات على قادة نقابيين وحقوقيين وناشطين، في المقابل نظم الاتحاد (أكبر منظمة نقابية بالبلاد) احتجاجات واسعة شارك فيها آلاف التونسيين.
التصعيد بين الجانبين، أثار عديد تساؤلات عن أسباب الأزمة، والحلول الممكنة، والتوقعات لمستقبلها، وإمكانية تحالف المعارضة، ما أجاب عنه عدد من المحللين استطلعت الأناضول آراءهم.
وتشهد تونس أزمة سياسية منذ بدأ الرئيس سعيد إجراءات استثنائية في 25 جويلية 2021، شملت حل مجلس القضاء والبرلمان وإصدار تشريعات رئاسية وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة وإقرار دستور جديد عبر استفتاء.
وترى قوى تونسية أن إجراءات 23 جويلية “تكريس لحكم فردي مطلق”، بينما تراها قوى أخرى مؤيدة لسعيد “تصحيحا لمسار ثورة 2011” التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي.
ماذا حدث؟
الجمعة، قضت محكمة تونسية بالسجن 4 أشهر على 16 نقابيا، بينهم الكاتب العام لجامعة النقل (نقابة) وجيه الزيدي، بتهم تعطيل العمل واقتحام مكتب الوزير، وفق وسائل إعلام محلية بينها راديو “موازييك” (خاص).
ومنذ 11 فيفري الماضي، بدأت في تونس حملة اعتقالات شملت سياسيين وإعلاميين وناشطين وقضاة ورجال أعمال، اتهمهم سعيد بـ”التآمر على أمن الدولة والوقوف وراء أزمات توزيع السلع وارتفاع الأسعار”.
جاء ذلك في ظل تحركات احتجاجية لاتحاد الشغل خلال الأسابيع الماضية، تمثلت في تجمعات ومسيرات متفرقة، توجت بتجمع كبير ومسيرة احتجاجية بالعاصمة تونس، في 4 مارس الجاري.
وخلال التظاهرة قال الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي: “كنا نتمنى أن نستمع إلى خطاب الطمأنينة، نحن دعاة نضال سلمي ومدني وحوار، سلاحنا الحجة ولسنا دعاة عنف”.
وفي تعليقه على اعتقالات متزامنة بحق المعارضين والنقابيين (بينهم منتمون لجبهة الخلاص المعارضة)، قال الطبوبي: “لن نقبل بهذه الممارسات والاعتقالات، لا لخطاب العنف والترهيب وتصفية الحسابات”.
وجبهة الخلاص الوطني أُسست في 31 ماي 2022، وتضم 6 أحزاب هي “النهضة” و”قلب تونس” و”ائتلاف الكرامة” و”حراك تونس الإرادة” و”الأمل” و”العمل والإنجاز”، بالإضافة إلى حملة “مواطنون ضد الانقلاب”.
وفي 7 مارس الجاري، قال الأمين العام المساعد للاتحاد، الناطق باسمه سامي الطاهري، إن “رسائل المساندة التي وجهها الطبوبي كانت موجهة أساسا للمساجين الأبرياء والنقابيين والمدونين والشباب الذين خرجوا واحتجوا”.
ونقلت وكالة الأنباء الرسمية، عن الطاهري، المحسوب على أقصى اليسار باتحاد الشغل، قوله إن “ذلك لا يشكل اصطفافا إلى جانب أي كان، فمن بين الموقوفين من اعتدى في السابق على الاتحاد ومن دعا إلى سحل قياداته” دون توضيح.
وتابع: “لا نتفق مع جبهة الخلاص، ولسنا مع العودة إلى ما قبل 25 جويلية، ولن نكون أبدا في التقاء معها، لأننا لا نتقاطع معها لا في المبادئ ولا في الأهداف (..) لكننا في الآن ذاته، لسنا مع مسار متعرج لـ25 جويلية”.
ما الأسباب؟
النقابي المقرب من اتحاد الشغل عبد الجليل البدوي، يرى أن “الاختيارات الاقتصادية التي تمس بالقدرة بالشرائية ومصالح العمال هي التي كانت منطلق الاحتجاجات”.
وقال البدوي، للأناضول: “بالعكس الاتحاد ساند عملية 25 جويلية وأراد تدعيمها، لكن المسار اصطدم باختيارات اقتصادية وقع تكريسها في قانون المالية للعام الحالي 2023 اعتبرها الاتحاد تمس المصالح الحيوية للطبقة الشغيلة”.
وأضاف: “المواطنون يعانون غلاء المواد الأساسية، وإيقاف الانتداب (التوظيف الحكومي) والبطالة العالية، لذا فالظروف الاجتماعية لا تساعد الاتحاد الذي هو ليس قيادة فقط، بل يوجد ضغط القواعد التي تعيش الصعوبات الحياتية اليومية”.
في المقابل، يرى المحلل السياسي بولبابة سالم، أن “العلاقات متوترة بين الاتحاد التونسي للشغل والرئيس قيس سعيد، والدليل هو المظاهرة التي خرجت في 4 مارس الجاري”.
وأضاف سالم، للأناضول: “الخلاف في جوهره بشأن التوجهات، والاتحاد ساند مسار 25 يوليو، لكن الرئيس تجاهل دعواتهم للحوار، وفي الفترة الأخيرة هناك متابعة نقابيين قضائيا وخاصة الخلاف حول المنشور 20”.
و”المنشور 20″ قرار حكومي صدر عام 2021، يمنع إجراء أي مفاوضات مع النقاباتإلا بعد الحصول على إذن مسبق، خاصة إذا تعلق الأمر بقضايا ذات استحقاقات مالية.
وتابع سالم: “رأينا كيف أن الرئيس سعيد تقريبا رفض مبادرة الرباعي للحوار الوطني، واعتبر أن هناك أطر مؤسسات الدولة التي سيتم تداول الأمور فيها مثل البرلمان”.
والرباعي للحوار الوطني، اتحاد حاصل على جائزة نوبل للسلام عام 2015، يضم اتحاد الشغل، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، والهيئة الوطنية للمحامين التونسيين، والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية.
هل يصطدم الرئيس والاتحاد؟
وعن التوقعات لمستقبل العلاقات بين الرئاسة التونسية واتحاد الشغل، أكد سالم، وجود مساع للتسوية، مستدركا: “لكن سياسيا، فالرئيس سعيّد لا يتجاوب مع مساعي الاتحاد”.
وشدّد على وجود “أزمة بين الطرفين، الاتحاد والسلطة، لكن ليست أزمة قطيعة، وتصريحات الطبوبي، في 4 مارس كانت حادة، لكن تصريحات القيادات النقابية الأخرى كانت ألين، فالأزمة ليست حادة”.
وأكد أنه “ليس مطروحا بالنسبة لاتحاد الشغل الانفصال عن مسار 25 جويلية، لكن لا يريد أن ينفرد الرئيس وحده بالمسار، ويريد أن يكون شريكا في إدارة المرحلة”.
وتابع: “لذلك فالاتحاد يدعو إلى الحوار، وبلورة خطة لتجاوز الأزمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، لكن الرئيس يعتبر أنه لا توجد أزمة، وهنا يكمن الإشكال”.
وأوضح: “سياسيا الرئيس لن يتجاوب مع مساعي الاتحاد، وسيبقى نوع من التعايش، لا في حالة صدام ولا في حالة قطيعة، فهو لن يتجاوب مع مقترحات الاتحاد، كما رفض دعوة الحوار التي أطلقها الاتحاد”.
أما الاتحاد، وفقا لسالم، فإن “تصعيده لن يصل إلى الصدام ولا القطيعة، فهو موجود كمؤسسة عريقة لها هياكلها باستحقاقاته، ولا أتصور أن الاتحاد سيسعى إلى التصعيد أكثر في الفترة القادمة، لذا فالطرفان سيسعيان للتعايش”.
كيف يمكن تجاوز الأزمة؟
وعن الخطوات المطلوبة لحل الأزمة، قال البدوي: “من المستحسن أن تقع تسوية وتقارب وحوار بينهما (الرئيس سعيّد واتحاد الشغل) ليروا كيف نتجاوز الواقع الاجتماعي الصعب”.
وتابع النقابي التونسي: “وليروا كيف نتجاوز الاختيارات المملاة من صندوق النقد الدولي، التي هي ليست فقط إملاء لاختيارات، بل تحولت إلى ابتزاز للسلطة التنفيذية”.
ومنذ فترة، تسعى تونس إلى الحصول على قرض من صندوق النقد في ظل أزمة اقتصادية حادة فاقمتها تداعيات جائحة كورونا ثم الحرب الروسية الأوكرانية المتواصلة منذ 24 فبراير 2022.
وأضاف البدوي: “من المفروض أن تكون الجبهة الداخلية أكثر صلابة ومتانة لمواجهة هذه الأوضاع، وهذا موضوعيا يفترض التقارب رغم الاختلاف في الاختيارات”.
وأكد أن التقارب ضروري “لأن العدو الأساسي (للسلطة) ليس الاتحاد، بل اللوبيات (قوى الضغط/ لم يحددها) والمهربون والمافيات الداخلية التي تدفع بالسلطة التنفيذية للجوء للحلول الخارجية والموارد الخارجية”.
وأشار إلى أن تلك القوى “لا تريد أن تكون مطالبة بالمساهمة في تجاوز أزمة المالية العمومية عبر إصلاح جبائي حقيقي”.
ما إمكانية تحالف المعارضة؟
وعن إمكانية التحالف بين اتحاد الشغل وجبهة الخلاص المعارضة للرئيس سعيّد، أكد كل من البدوي وسالم، أن ذلك لا يمكن تحقيقه خلال الفترة المقبلة.
وقال البدوي إن “جبهة الخلاص من مكوناتها أناس كانوا في الحكم وتسببوا في الأوضاع التي وصلنا إليها الآن، والاتحاد لن يكون متعاطفا معها خاصة أن في مكوناتها من تطاول عليه وأراد تقزيمه” في إشارة إلى حركة النهضة.
في المقابل، رد سالم بأن “الاتحاد كان شريكا في كل حكومات ما بعد الثورة، وكان طرفا فاعلا في كامل العشرية (منذ 2011) وكان يعين وزراء ويقترح، ولا توجد حكومة تشكلت دون استشارته، وشاركت وجوه محسوبة عليه كوزراء”.
وأضاف: “موقف قيادة الاتحاد من جبهة الخلاص معروف، لأن الجبهة في خلاف جذري مع الرئيس والاتحاد في مسار 25 جويلية، ولا يمكن أن تلتقي معهما، كما أن تصريحات الاتحاد ضد الجبهة فيها نوع من الحديّة”.
وأكد أن “كلمة الطبوبي في 4 مارس، عكست الخط العاشوري (نسبة للزعيم النقابي الحبيب عاشور 1913-1999 الذي لم تكن له خلافات مع الإسلاميين) لكن بعد الانتقادات التي تعرض لها جعل قيادات الاتحاد تتراجع عن ذلك”.

Tagged , , ,