رفقة والده، يحتضن طفل يبلغ 10 أعوام أشتال زيتون من صنف “لقيم ووسلات” استعدادا لمشاركة الفلاحين بغرس الآلاف منها في موطنها الأصلي الذي هجّرت منه قسرا قبل نحو 3 قرون، لتعود إلى أرضها وبيئتها.
هذه المبادرة التنموية التشاركية هي فعل رمزي لإحياء تراث الأجداد في غراسة زيتون من الصنفين، الذي تتمركز حوله أبعاد التنمية الفلاحية والأيكولوجية والثقافية، في إرادة الفعل بعيدا عن الوقوف على أطلال الماضي.
غرس الزيتون بمناطق فلاحية عديدة تابعة لمنطقة جبل وسلات في ولاية القيروان (وسط)، كانت مبادرة أهلية نظمتها جمعية جبل وسلات للتراث والتنمية (مستقلة تأسست عام 2020) بالشراكة مع بلديتي عين جلولة والوسلاتية والسلطات الجهوية والإدارات السياحية والثقافية والفلاحية.
زيتون وثقافة
الجمعية نظمت على مدى يومي السبت والأحد الماضيين، مهرجان الزيتون الجبلي وسياحة زيت الزيتون التونسي، في دورته الثانية.
وترافقت عملية غرس الدفعة الأولى من أشتال زيتون “لقيم ووسلات” مع أنشطة سياحية وثقافية وفنية تحمل الموروث التقليدي بالصناعات الحرفية والفلكلور الثقافي من عروض فروسية وفقرات غنائية في فنون الجبل.
واختير عرض الفروسية، وهو عرض المداوري الذي يجمع بين الاستعراض للفرسان على ظهور الخيول وآلات الموسيقى (الطبل والمزمار) وعلى ايقاعها يتراقص الخيل ويقدم عروضه.
جملة من الفقرات التراثية والأنشطة الثقافية رافقت الحدث المركزي للمهرجان، وهو غرس أشجار زيتون بعدد من الضيعات بمنطقة جبل وسلات في معتمديتي عين جلولة والوسلاتية بحساب 50 شجرة زيتون لفائدة كل مزارع.
إرث الأجداد
ياسين الوسلاتي رئيس “جمعية جبل وسلات للتراث والتنمية ” مدير مهرجان الزيتون الجبلي، قال: “أشجار الزيتون التي تمت غراستها هي من نوع وسلاتي”.
و”وسلاتي” هي فصيلة تحمل اسم المنطقة لتناسب خاصيتها الجينية مع المحيط الأيكولوجي الذي يلائم غرسها وقدرتها على التأقلم مع المناخ الجاف وندرة المياه والتلاؤم مع التربة، ما يجعل هذه الارض بيئته الخصبة.
وأضاف الوسلاتي في تصريحات للأناضول: “إنه ارث الأجداد الذي توارث أهالي المنطقة غرسه وحموه من الاندثار رغم ما تعرضت له المنطقة من عمليات تخريب وتشتيت لسكانها في يوليو 1762”.
في ذلك العام، كانت حادثة تشتيت أهالي وسلات بقرار من قبل سلطة الدولة الحسينية (حكمت تونس 1705 – 1956) وطالت البشر والحجر والشجر بين التهجير والقتل والسجن وحرق الممتلكات ومصادرتها.
ولفت الوسلاتي إلى أنهم يعتزمون زراعة 8 آلاف شجرة زيتون في الجبل، معتبرا أن الرقم “رمزي” مقارنة بما تم اقتلاعه من أشجار وحرقها “إثر عملية التهجير القسري للوسلاتية”.
وتابع: “هي أشجار أصيلة كانت مغروسة على سفوح وتلال وقمم جبل وسلات بمختلف القرى وتمكن بعض سكان الجبل من أخذ مشاتل زيتون وسلات والاحتفاظ بها”.
تنمية لا وقوف على الأطلال
وقال الوسلاتي: “اليوم نحن هنا على أرض الأجداد.. لا نقف على الأطلال وإنما نعود من أجل إحياء تراثهم وإعادة إحياء تاريخ وسلات عبر بوابة التنمية وبرمزية الزيتونة والنسج على خطى أجدادنا في تحقيق التنمية الذاتية والاكتفاء والمهارات الفلاحية”.
وحول غراسة 8 آلاف شجيرة زيتون، قال الوسلاتي: “هي حصيلة تبرعات من مواطنين ونشطاء بمبالغ مالية متفاوتة تهدف إلى توفير تكلفة لقيمة أشتال الزيتون وتكلفة غرسها”.
وزاد: “تقدر قيمة المساعدات لكل فلاح 500 دينار (نحو 166 دولار) لغرس 50 شجرة زيتون.. ما يعني انتفاع 160 فلاحا بمشروع إعادة الإحياء أو اعادة الإعمار”.
وأوضح أن “الجمعية تتعهد بمرافقة الفلاح لمدة ثلاث سنوات إلى حين بلوغ الزيتون مرحلة الإنتاج، وتشمل المرافقة السقي والإرشاد الفلاحي والمرافقة العلمية من قبل خبراء في المجال”.
أبعاد تنموية وثقافية من تراث الأجداد
وتحمل مبادرة الجمعية، بعدا ثقافيا من خلال مهرجان سنوي يسعى إلى إعادة إحياء الموروث الثقافي للفروسية الذي يحمل بصمة “أولاد جلاص” نسبة الى قبيلة جلاص التي تجاور جبل وسلات.
زيتون وأثار
وعلى هامش غرس الزيتون، خصصت لفائدة ضيوف المهرجان جولة سياحية عبر جملة من المعالم الأثرية منها منشآت مائية ومبان ذات خصوصية معمارية من إرث السكان الأصليين للجبل ودور العبادة والكهوف الجبلية القديمة مثل مغارة عين الخنفوس.
وقال الوسلاتي للأناضول، إن هذه الزيارة إلى هذه الأماكن والمعالم والمناطق الأثرية، وبالشراكة من إدارة السياحة (حكومية) بولاية القيروان والبلدية، تهدف الى إحياء مشروع المسلك السياحي الذي أعلنت عنه الحكومة في 2017.
مسلك سياحي.. تمكين وتوطين
مشروع المسلك السياحي بمنطقة جبل وسلات بمعتمدية عين جلولة، وهو ضمن مسلك سياحي يشمل مناطق الوسلاتية وولاية سليانة المحاذية للقيروان، ومن شأنه تنمية السياحة، وفق المندوب الجهوي للسياحة بالقيروان مراد العلويني، في حديثه للأناضول.
وأضاف العلويني: “المشروع أُعلِن عنه في 2017 ولكن ما يزال ينتظر التفعيل المالي لتهيئة الطرقات وتدعيم التنمية لفائدة سكان المناطق المعنية”.
ومشروع التهيئة يشمل توفير موارد رزق لفائدة الأهالي، تنهض على استغلال الموارد الطبيعية والتراث المادي وتوفير فضاءات ضيافة وإعاشة للمجموعات السياحية.
من جهته دعا رئيس بلدية عين جلولة علي النصري، بصفته شريك ضمن منظمي مهرجان الزيتون الجبلي، إلى” توفير التمويلات اللازمة لتحقيق تنمية شاملة بمنطقة جبل وسلات تجمع بين القطاع الفلاحي والسياحي والبيئي”.
