لا تزال قوارب الموت و«الحرقة» في تونس تقل مهاجرين غير نظاميين سرا إلى ضفاف ما يأملون أن تكون حياة أفضل.
بل يتضاعف عددهم من سنة إلى أخرى بمختلف أجناسهم وجنسياتهم، رغم حوادث الغرق التي تخلف ضحايا كثيرين ممن تنتهي رحلتهم في عرض البحر.
أرقام صادمة
وكشف المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (غير حكومي)، أن أكثر من 13 ألف مهاجر تونسي غير نظامي وصلوا إلى السواحل الإيطالية هذا العام على متن قوارب في أول تسعة أشهر من عام 2022.
وهو ما يمثل زيادة 23 بالمئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، فيما توفي وفقد أكثر من 500 مهاجر في عرض البحر، خلال الفترة نفسها.
وقال الناطق باسم المنتدى رمضان بن عمر، في تصريحات صحفية منتصف سبتمبر/ أيلول الماضي، إن أكثر من 13.449 مهاجرا تونسيا وصلوا إلى سواحل إيطاليا منذ بداية 2022، منهم 2600 قاصر و640 امرأة، و500 أسرة.
وأوضح ابن عمر أن “السلطات منعت أكثر من 23 ألفا و217 مهاجرا غير نظامي من الوصول إلى السواحل الإيطالية عبر إحباط أكثر من 1890 عملية اجتياز منذ بداية العام الجاري”.
وأردف: “موجات الهجرة غير النظامية خلفت مأساة إنسانية، إذ فُقد أكثر من 507 مهاجرين منذ بداية السنة الجارية على السواحل التونسية”.
وأكد أن الأزمة الاقتصادية والسياسية الحادة في البلاد وراء هذا الارتفاع الكبير في عدد المجتازين.
رسميا، أكدت وزارة الداخلية التونسية اعتراضها أكثر من 22 ألفا و500 مهاجر قبالة سواحل البلاد منذ بداية العام الحالي، بينهم نحو 11 ألفا من دول إفريقيا جنوب الصحراء.
صفاقس نقطة الانطلاق
وتمثل محافظة صفاقس جنوب تونس المنصة الأهم لانطلاق قوارب الهجرة غير النظامية نحو أقرب نقطة من السواحل الإيطالية في جزيرة صقلية.
وتستغرق رحلة المهاجرين عبر البحر، 22 ساعة انطلاقا من صفاقس وصولا إلى جزيرة “لمبيدوزا” جنوبي صقلية.
ورافق مراسل الأناضول وحدات الحرس البحري في صفاقس في رحلة تأمين للحدود البحرية والبحث عن قوارب المهاجرين غير النظاميين.
وفي تصريحات للأناضول، تحدث مدير إقليم الحرس البحري بصفاقس العميد صابر يونس عن أسباب اختيار أغلب المهاجرين غير النظاميين لسواحل صفاقس دون غيرها نقطة انطلاق لرحلاتهم.
وقال يونس: “يختارون صفاقس لأن صناعة المراكب فيها متطورة، وبها أكبر ميناء صيد بحري بالجمهورية، وعدد العارفين بالبحر فيها كبير جدا”.
وأضاف: “المهاجرون من دول إفريقيا جنوب الصحراء الموجودون في صفاقس بكثافة، هدفهم الوحيد هو العبور للضفة الأخرى، فهم يعتبرون صفاقس نقطة تزود بالمال اللازم للعبور لا أكثر”.
ولمواجهة هذه الظاهرة، أكد يونس “ضرورة توفير الإمكانيات اللوجستية والتقنية اللازمة”، على حد قوله.
مشاكل كبيرة
من جانبه، تحدث رئيس فرقة الحرس البحري بصفاقس الرائد رمزي العلاني، عن المشاكل التي تواجههم أثناء مطاردة قوارب الهجرة غير النظامية.
وقال العلاني، للأناضول: “يأتي في مقدمة هذه المشاكل عدم امتثال المجتازين للتوجيهات الأمنية، بل وغالبا يتهجمون على الدوريات”.
وأضاف: “القوارب الحديدية ظاهرة جديدة في صفاقس والتعامل معها صعب لأنه يسهل انزلاقها ووقوعها في البحر”.
فيما كشف قائد خافرة بحرية يدعى الرائد برهان، أنه في الليلة الفاصلة بين 26 و27 أكتوبر الماضي، تمكنت الوحدة البحرية الأولى والثالثة بصفاقس من إحباط 3 عمليات اجتياز للحدود البحرية خلسة ونجدة وإنقاذ 120 مجتازا من دول إفريقيا جنوب الصحراء”
وأردف، للأناضول: “أما بالنسبة لليلة الفاصلة بين 27 و28 أكتوبر، فتمكنا من إحباط 4 عمليات اجتياز للحدود البحرية خلسة ونجدة وإنقاذ 160 مجتازا من دول إفريقيا جنوب الصحراء”.
لا وقت لليأس
كما تحدث مراسل الأناضول مع عدد من المهاجرين غير النظاميين من الذين وقعوا في قبضة الحرس البحري.
آنا ديالو وهي مهاجرة من كوت ديفوار قالت للأناضول: “عمري 40 سنة وأنا وحيدة هنا وأنفق على أمي وابنتي في بلدي”.
وأضافت: “منذ 6 سنوات أعمل معينة منزلية في صفاقس، وهو عمل غير منظم ولا مربح، هذه المرة الرابعة التي أحاول فيها اجتياز الحدود خلسة ودائما ما أخسر أموالي وأعود إلى العمل من الصفر”.
وأردفت آنا: “أريد فقط مغادرة تونس للعمل في أوروبا وتوفير المال لأتمكن من رؤية ابنتي، فلا أستطيع العودة الآن إلى بلادي لأن علي واجبات يجب تسديدها”.
فيما قالت مهاجرة أخرى من دول إفريقيا جنوب الصحراء تدعى كامارا أمي: “أتيت إلى صفاقس منذ سنتين، أنا يتيمة الأب والأم، وقد تركت أخي مريضا في بلادي”.
وأضافت: “لذلك أريد الهجرة إلى أوروبا لأرسل أموال علاجه، لكن كلما أردت العبور أعادني الحرس البحري التونسي وهذه هي المحاولة الثالثة التي أفشل فيها”.
مهاجر آخر يدعى محمد من غامبيا يبلغ من العمر 27 سنة قال للأناضول: “أردت الهجرة لمساعدة أسرتي لأنها تعيش في ظروف صعبة جدا، وأنفقت كل ما لدي لأستطيع السفر إلى إيطاليا لكن مشيئة الله قضت عكس ما أردت”.
وتمر تونس بأزمة اقتصادية واجتماعية حادة تهدد بإفلاس المالية العامة حيث بلغ التضخم 8.6 في المئة وهو أعلى مستوى تسجله منذ ثلاثة عقود.
وتدفع الأزمة آلاف العاطلين إلى الهجرة غير النظامية على الرغم من حوادث الغرق الجماعية المتكررة هذا العام.