ما تزال المفاوضات مستمرة بين تونس وصندوق النقد الدولي، من أجل التوصل إلى اتفاق الحصول على قرض بقيمة 4 مليارات دولار لاستكمال موازنتها.
المحادثات التي انطلقت منذ جويلية الماضي، تأتي في وقت تمر به تونس بأزمة اقتصادية تفاقمت حدتها جراء تداعيات فيروس كورونا والحرب في أوكرانيا.
وتزايدت الضغوط أكثر وسط شح تشهده أغلب مواد التموين الأساسية، وعدم توفرها في السوق التونسية، فضلا عن تراجع ملحوظ للمقدرة الشرائية للمواطن.
ورغم ذلك يرجح متابعون للوضع الاقتصادي في تونس، حصول الأخيرة على هذا القرض خاصة بعد التصريحات الأخيرة لمديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا، قالت فيها إن “توقيع اتفاقات على مستوى الخبراء مع مصر وتونس سيتم قريبا جدا”.
وقبل أيام أيضا، أكدت كل من اليابان وألمانيا وفرنسا وبريطانيا عبر سفارائها المعتمدين في تونس، دعمها لتونس في مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي.
يذكر أن البرنامج الإصلاحي الذّي مضت فيه الحكومة التونسية والذّي اشترطته الصندوق يتضمن إصلاحات مالية وجبائية (ضريبية)، تهدف إلى دفع النمو والاستثمار وتحسين مناخ الأعمال ومنها إعادة هيكلة المؤسسات العمومية والتحكم في كتلة الأجور.
وبحسب ما علمت وكالة الأناضول من مصادر في صندوق النقد الدولي، فإن موافقة الصندوق على إقراض تونس ومصر من المرجح أن تتم خلال اجتماعات الخريف للصندوق والتي تعقد في الفترة بين 10 – 16 أكتوبر الجاري.
توصل للاتفاق رغم طول الانتظار
يعتبر رضا قويعة الخبير الاقتصادي أن “المعطيات الجديدة (تصريحات مديرة الصندوق) تفيد بوجود تقدم في ملف حصول تونس على اتفاق مع صندوق النّقد الدولي”.
وتابع: “طال الانتظار وكثر الكلام في هذا الموضوع وكثرت الانتقادات، لكن هناك توجه نحو التوصل إلى اتفاق بين الطرفين لإيجاد مخرج للأزمة في تونس، وخاصة محو وتقليص العجز في الموازنة”.
وأكد أنه “اليوم لا مفر من اللجوء للاتفاق مع الصندوق النقد الدولي، وأن 4 مليارات دولار، كافية لتغطية العجز في ميزانية الدولة”.
وزاد: “من أبرز العناصر الجديدة، الاتفاق الكبير بين اتحاد الشغل والحكومة المتعلق برفع أجور القطاع العمومي والخاص هو عنصر هام، إضافة إلى وجود نوع من التقليص من الدعم على عدد من المنتجات وهو ما جعل السلطات ترفع سعر المحروقات أربعة مرات في السنة الحالية”.
“هناك أيضا عنصر ثان يتمثل في الإجراءات التّي ستتخذها الحكومة في ما يخص القطاع العمومي، بالتقليص من كتلة الأجور في الوظيفة الحكومية عبر التقاعد المبكر وغيرها”.
من جانبه اعتبر رضا الشكندالي أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية، أن تونس في طريق مفتوح أمام إبرام إتفاق مع صندوق النقد الدولي، خاصة بعد التوصل إلى تسوية أربعة ملفات رئيسية في البلاد.
والملفات الأربعة هي تحسين مناخ الأعمال، ورفع الدعم الذّي كان محل خلاف بين اتحاد الشغل والحكومة، ليتم الاتفاق بين الطرفين على التوصل لذلك في ظرف عامين، إضافة إلى إعادة هيكلة المؤسسات العمومية، والتحكم في الأجور.
واعتبر الشكندالي للأناضول، أن “هذه الحكومة تعد من أسهل الحكومات فيما يتعلق بالتعامل مع صندوق النقد الدولي، وأنه ليس لديها خيار اليوم مع ما تعيشه البلاد من أزمة خانقة سوى التوجه للاقتراض من الصندوق”.
يذكر أن أمين عام الاتحاد العام للشغل في تونس (أكبر منظمة عمالية)، نور الدين الطبوبي، أكد أنه لم يبرم أي اتفاق مع الحكومة بخصوص رفع الدعم أو إصلاح المؤسسات العامة.
وقال الطبوبي في تصريحات صحفية، إن الاتحاد يرفض بقوة كل الخيارات المؤلمة وسيكون في الصفوف الأمامية مع الشعب في الشارع ضد الحكومة.
تداعيات مرتقبة
يرى قويعة أنه في حال تمت مواصلة تقليص الدعم تدريجيا على المنتجات، وعلى رأسها المحروقات وفق الطلبات التّي ضبطها صندوق النقد، فإن التداعيات ستكون كبرى لا سيما على المقدرة الشرائية للمواطن التونسي.
وأوضح: ” الزيادات في أسعار المحروقات سيكون لها انعكاس كبير على التضخم المالي، وعلى أسعار عدة منتجات أخرى، خاصة وأن المحروقات مرتبطة بعدة صناعات وقطاعات أخرى من نقل وزراعة وصناعة، وبالتالي ارتفاع التضخم.
من جهته يقول الشكندالي إن ” قرض صندوق النقد الدولي يأتي في ظل أزمة اقتصادية دولية وركود تضخمي على مستوى مختلف بلدان العالم، كما أن الزيادة في الأجور التي تم الاتفاق عليها مؤخرا ليست في الحجم المنتظر.
وأردف الشكندالي بقوله إنّ “المواطن التونسي هو من سيتحمل ضريبة الاقتراض من الصندوق، إلا في حال توقفت الحرب في أوكرانيا التي ستوقف بموجبها تصاعد الأسعار العالمية للنفط.”
وتشهد تونس أزمة اقتصادية حادة، فاقمتها تداعيات تفشي جائحة كورونا، وارتفاع تكلفة استيراد الطاقة والمواد الأساسية جراء الأزمة الروسية الأوكرانية.
ويواصل التضخم في تونس الارتفاع ليبلغ 9.1 بالمئة خلال سبتمبر الماضي، صعودا من 8.6 بالمئة في أوت الماضي، وسط استمرار تذبذب وفرة السلع الأساسية محليا، وارتفاع أسعارها عالميا.