منتخب البرازيل أحرز خمس بطولات عالمية من واحد وعشرين دورة، أي ربع المحصول له وحده، ومنتخب البرازيل هو الوحيد في العالم الذي شارك في كل نهائيات المونديال، وهو أيضا صاحب أكبر عدد من الإنتصارات في هذه النهائيات، و الكرة البرازيلية أفرزت أفضل لاعبي العالم على مر التاريخ، ومازالت البرازيل إلى اليوم قبلة لكل الباحثين عن المهارات وعن مشاريع النجوم التي لا ينطفؤ لها بريق حتى بعد الموت.
زاغالو، ديدي، بيليه، غارينشا، زيتو، فافا، دي كارفايو، أماريلدو، كارلوس ألبيرتو، كلودوالدو، جايرزينهو، توستاو، ريفلينو.. بياتسا، باولو سيزار، غيرسون، فالكاو، سقراطس، زيكو، بيبيتو، دونغا، روماريو، كافو، رونالدو، رونالدينهو، روبارتو كارلوس، ريفالدو.. وغيرهم وغيرهم من شياطين الكرة الذين ملؤوا الملاعب فنا و إبداعا و نحتوا الإنتصار تلو الإنتصار وانتصبوا ملوكا على عروش أكبر أندية العالم ، هؤلاء هم آباء و أجداد الشياطين الذين واجههم منتخبنا الوطني لكرة القدم يوم الثلاثاء الماضي بملعب حديقة الأمراء بباريس يقودهم نيمار، واحد من ضمن فيلق من أغلى نجوم الكرة اليوم، ومن أمهرها وأفضلها فنا وتكتيكا واستعدادا بدنيا، هؤلاء الشياطين هم الذين يرسمون البطولات الأوروبية الكبرى في لوحات عجزعن اتقانها دافنشي وبيكاسو، وهم أيضا الأغلى ثمنا والأكثر إشعاعا والأبرز أداء وعطاء والأخطرعلى المنافسين في كل الواجهات.
هؤلاء هم ثروة البرازيل التي تبث الحياة في شعب يتنفس كرة ، يزرعون في نفوسهم الفرحة ويبعثون الأمل ويدفعونهم إلى حب الحياة. وهؤلاء هم معلمو وأساتذة ودكاترة كرة القدم في العالم.
هل من المعقول أن نطالب المنتخب التونسي، وهو التلميذ المبتدئ، بأن يخجل من «طريحة» نالها من المعلم؟
قمة الغرور والإعتداد بالنفس! بل قمة قلة الحياء.
إن ما حصل لمنتخب تونس ضد نظيره البرازيلي أمر عادي ومنتظر، بل لنحمد الله أن منتخب البرازيل كفّ عن الضرب حين أحس بأنه سيقضي علينا قضاء لا يمكن أن نستعيد بعده نفسا، لقد رأف بنا، تعامل معنا برجولة و شهامة و حشمة ورفض أن ينكل بنا وهو الذي كان قادرا على ذلك، وإن حصل هذا لقلت أيضا إنه متوقع، وعادي، وغير مفاجئ.
كنا نتمنى مردودا أفضل و نتيجة أفضل، لكن مع منتخب البرازيل لا يمكن لك إلا أن تتمنى وتنتظر أن تحدث أمور غير عادية و خارجة عن إطار المنطق و الواقع كي يحصل ذلك. وما تمنينا لم يحصل، وحصل الشئ الذي كان منتظرا والذي لا يمكن إلا أن يكون التكهن الوحيد للعالم بأسره. فلماذا يعتبر البعض أن نتيجة مباراتنا مع البرازيل كانت فضيحة ؟
هل هي المرة الأولى التي يفوز فيها هذا المنتخب بمثل هذه النتيجة على واحد من منافسيه ؟ وهل يمتلك المنتخب التونسي لاعبا واحدا يمكن له أن يكون معوضا في المنتخب العاشر للبرازيل حتى تعتبر هزيمته أمس فضيحة ؟
شئ من التواضع والتعقل هداكم الله ، فما حصل لا يستحق تحليلا أو تفسيرا أو تبريرا، ما حصل هو أن جدي الغزال وقع بين مخالب الأسد، فأي سيناريو تنتظرون؟ في مثل هذه الحالة هناك بصيص ضئيل من الأمل قد يحدث مرة على عشرة أو عشرين، وهو أن يفلت الجدي ويطلق ساقيه للريح فيحاول الأسد أن يلتحق به فيرتطم في صخرة لم يقرأ لها حسابا ليسقط مغشيا عليه، ويرقص الجدي لانتصار لم يتحقق بقوته لكن بقوة خارجة عن الإطار العادي لسير الأمور. ما دون ذلك هو أن يعمل الأسد نابه و مخلبه في جسد الجدي و قد يلتهمه كله، وقد يكتفي منه بورك أو كتف و يترفع عما بقي من أشلائه.
لذلك فإن كلاما يقول لو فعل القادري كذا دون كذا لكان الأمر أفضل، هو مجرد هراء واستبلاه لعقول الناس، فالمنتخب البرازيلي بإمكانياته البشرية الرهيبة قادر على تركيع منتخب تونس مهما نوع تشكيله و تكتيكه و خططه، بل إنه قادر على فعل ذلك مع أقوى منتخبات العالم، لذلك لم يكن في وسعنا أثناء مواجهته سوى طلب اللطف من الخالق، واعتقد أن دعواتنا باللطف قد جاءت بنتيجة، والأفضل لنا أن ننظر إلى ما يمكن أن يتحول إلى الإيجاب بعيدا عن التشاؤم المفرط ، فأمامنا مونديال ننتظر قبله كلمة تشجيع تعيد تحريك الآمال، ومباراة البرازيل أوضحت للمنتخب مركزه الحقيقي مقارنة بعمالقة العالم، وزوّدت المدرب بفكرة عن المطلوب و المرفوض من أجل أن نتفادى ما حصل في ما ينتظرنا من مواعيد رسمية أولها المونديال.. وفي المونديال سنجد في طريقنا أسدين.. وليس أمامنا سوى الأمل و المحاولة لعل الأسد يرتطم بصخرة لم يرها، ليفلت الجدي من مخالبه و يسعد بالنتيجة، هذا يحدث في كرة القدم ، والله يحدث..