تؤكد أوركيديا غونزاليس وهي تجلس أمام آلة لفحص جودة السيجار، أنها فخورة بمساهمتها في الحفاظ على الطرق التقليدية في هذه الصناعة، وفي كونها عنصراً في قطاع ناجح أصبح إبّان الجائحة يحتل المرتبة الثانية بين صادرات الدولة كوبا.
وتقول العاملة الكوبية البالغة 55 عاماً “أعشق صنع السيجار. أمضيت حياتي في هذا المكان، وما أفعله فنّ حقيقي. لا يتقن أيّ كان صنع السيجار، كما لا يتقن أيّ كان رسم لوحة”.
وتتمثل وظيفة أوركيديا في التأكد بواسطة أنبوب معدني من مستوى شفط كل سيجار لضمان استمتاع المدخّن به.
وتشرح فيما عيناها تركزان على إبرة الآلة “في حال أشارت الإبرة إلى أقل من أربعين، يكون مستوى (الشفط) مفرطاً، أما إذا تعدّت الثمانين، فيكون متدنياً جداً”.
وتعمل أوركيديا في مصنع “إل لاغيتو” الذي أقيم عام 1966 في غرب هافانا لإعداد السيجار الذي كان يدخنه الزعيم الكوبي الراحل فيديل كاسترو (1928-2016) أو يقدمه إلى ضيوفه المميزين.
وفي هذا المكان، وُلدت “كوهيبا”، أفخم ماركات السيجار الكوبي وهي التسمية التي كان يطلقها هنود تاينوس، وهم سكان الجزيرة الأصليون، على أوراق التبغ الملفوفة التي كانوا يدخنونها والتي فوجئ بها الرحّالة كريستوفر كولومبوس بعد وصوله إلى “القارة الجديدة”.
ولا يزال تقليد لفّ كل مُزارع أوراقه الخاصة قائماً بين الفلاحين في مقاطعة بينار ديل ريو الغربية، حيث تقع معظم حقول التبغ في كوبا.
– نكهة –
في هذا المصنع، يستمر إلى اليوم إنتاج سيجار “كوهيبا” من قياس “لانسيرو” الذي كان يفضّله فيديل كاسترو قبل أن يقرر الإقلاع عن التدخين عام 1985، عندما كان في التاسعة والخمسين.
ويوضح مدير “إل لاغيتو” أوسكار رودريغيز أن الهدف هو تصنيع “نحو مليوني سيجار” عام 2022، أي بمعدل تسعة آلاف قطعة يومياً، “رغم كل الصعوبات” التي يواجهها المصنع.
ولم تحل جائحة كوفيد-19 دون نموّ تصدير السيجار الكوبي بنسبة 15 في المئة عام 2021، إذ بلغت القيمة الإجمالية للصادرات منه 568 مليون دولار، وفق شركة “هابانوس إس إيه” (Habanos S.A) التي تضم كل العلامات التجارية الوطنية للسيجار في كوبا.
وكان لهذا النمو أثر إيجابي على الاقتصاد الكوبي الذي يعاني أقسى أزماته منذ ثلاثين عاماً، ويشهد نقصاً في بعض المواد وانقطاعات يومية للتيار الكهربائي.
ويؤكد رودريغيز أن المصنع “لم يتوقف يوماً واحداً” عن العمل خلال مرحلة الجائحة التي دامت شهوراً طويلة، ما أدى إلى جعل السيجار يحتل المرتبة الثانية بين المنتجات التي تصدّرها كوبا. وتُعتبر إسبانيا والصين وألمانيا وفرنسا وسويسرا الدول الأعلى استيراداً للسيجار الكوبي.
وانهمك عشرات العمال في “إل لاغيتو” بوضع اللمسات الأخيرة بواسطة شفرة منحنية ومادة لزجة على أطراف قطع سيجار انتهى لفّها.
وتبلغ نسبة النساء من العمال نحو 60 في المئة، تماشياً مع تقاليد هذا المصنع منذ أن أسسته سيليا سانشيز التي كانت رفيقة سلاح لفيدل كاسترو في جبال سييرا مايسترا (شرق كوبا). وكان الهدف توفير فرص عمل للأمهات العازبات أو النساء اللواتي يواجهن صعوبات.
وتوفيت خلال الجائحة مؤسِسة أخرى هي نورما فرنانديز التي كانت تتولى لفّ قطع السيجار المخصصة لقائد الثورة.
وتروي أوركيديا غونزاليس التي كانت تعمل وقتها في المصنع الذي أقيم في فيلا أنيقة تعود إلى خمسينات القرن العشرين “لقد كان صنع قطع السيجار للرئيس بمثابة امتياز”.
أما كاريداد ميسا البالغة اليوم 55 عاماً، فانضمت في البداية إلى “إل لاغيتو” كعاملة تنظيف. بعد ثلاثين عاماً، أصبحت مسؤولة عن التأكد من عدم وجود أدنى خطأ في قطع السيجار.
وتشرح أمام علب مليئة بقطع السيجار التي تفحصها بتمعّن تحت صورة إرنستو تشي غيفارا أن مهمتها تتمثل في التأكد من “الجودة والوزن والطول (…) والسماكة” أي ما يُعرف بمقياس الحلقة.
ويراوح سعر سيجار “كوهيبا” الذي يضم مجموعة واسعة من الموديلات والمقاسات، بين 30 دولاراً و 200 دولار للقطعة الواحدة، سواء في كوبا أو في الخارج.
وتشير أوركيديا غونزاليس إلى أن “التبغ الكوبي يتميز عن غيره بالنكهة التي تمنحها أرض بينار ديل ريو، حيث يتم حصاد أفضل أنواع التبغ”.