أجمع خبيران سياسيان على أن تداعيات جائحة كورونا والأزمة السياسية التي تعيشها تونس وانسداد الآفاق، أسباب شكّلت دافعا لموجات هجرة غير نظامية مكثفة باتجاه أوروبا.
وتصاعدت وتيرة الهجرة غير النظامية انطلاقا من التراب التونسي صوب السواحل الإيطالية خلال الأشهر الأخيرة عبر قوارب الموت التي تجوب البحر الأبيض المتوسط للوصول إلى السواحل الأوروبية.
وأصبحت وزارتا الداخلية والدفاع في تونس تعلن بوتيرة مستمرة إحباط عدد كبير من محاولات اجتياز الحدود البحرية والاحتفاظ بعدد من المنظّمين والممولين لعمليات الهجرة، بجانب حجز قوارب «الحرقة»، ونشر تقارير انتشال عشرات الجثث الغارقة.
وتثير هذه الموجة من الهجرة قلقا أوروبيا متصاعدا يظهر جليا في بعثاتها الدبلوماسية لدى تونس من خلال لقاءات المسؤولين الإيطاليين والفرنسيين بنظرائهم التونسيين للتباحث حول مجابهة هذه الظاهرة المتفاقمة.
وتيرة مستمرة
المجتمع التونسي بدأ يشكو من تصاعد ظاهرة الهجرات البحرية، حيث شملت هذه المرة فئات مختلفة من شباب ونساء وأطفال قصّر، كما تنوّعت بين فئات فقيرة ومتوسطة الدخل وأصحاب شهادات عليا عاطلين عن العمل.
ونشر نشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة صورا لعائلات شابة وصلت بأكملها للسواحل الإيطالية.
كما أفاد شهود عيان للأناضول أن الزغاريد ارتفعت في أحد أحياء مدينة بنزرت (شمال) بمناسبة وصول عشرات من شبان الحي إلى إيطاليا، بينما تبكي عائلات أخرى موت أبنائها في تحطم قوارب على أمواج المتوسط.
وضبطت وزارة الداخلية التونسية 20 ألفًا و616 مهاجرًا غير نظامي خلال 2021، بينهم 10 آلاف و371 أجنبيًا معظمهم من دول إفريقيا جنوب الصحراء، وفق بيانات رسمية.
وتشير تقارير حكومية إلى إحباط 1509 محاولات هجرة غير نظامية صوب إيطاليا خلال أول 8 أشهر من العام 2022.
ومقابل تلك الزيادات، ذكر المعهد الوطني للإحصاء (حكومي) أن نسبة البطالة تجاوزت 20.5 بالمئة في صفوف النساء مقابل 13.1 بالمئة عند الرجال خلال الثلث الثاني لعام 2022، بجانب تفاقم الفقر لدى الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع على رأسها النساء.
موجة أزمات
رمضان بن عمر، متحدث المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (غير حكومي)، قال إن الهجرة غير النظامية نحو أوروبا شهدت نسقا تصاعديا في تونس خلال السنوات الأخيرة “خاصة بعد عام 2020 وظهور التداعيات السلبية لجائحة كورونا ثم الأزمة السياسية”.
وذكر بن عمر للأناضول أنه جرى “إحصاء أكثر من 12 ألفا و360 مهاجرا تونسيا نحو السواحل الإيطالية عام 2020 ثم ازداد العدد عام 2021 ببلوغه 15 ألفا و675”.
وأضاف: “أحصينا بداية من عام 2022 حتى أوت الماضي أكثر من 11 ألف مهاجر غير نظامي وصلوا السواحل الإيطالية”.
وتابع: “تشهد البلاد هجرة غير نظامية بشكل تصاعدي عبر صربيا وهي خط جديد أحصينا فيه وصول 4 آلاف و600 مجتازا إلى السواحل الأوروبية”.
وأردف: “السلطات التونسية منعت أكثر من 16 ألف مهاجرا غير نظامي من الوصول إلى السواحل الايطالية منذ بداية 2022”.
واعتبر بن عمر أن “الأزمة السياسية في البلاد كانت قادحا للموجة الأخيرة من الهجرة غير النظامية مع تراكم عوامل اقتصادية واجتماعية وانسداد الآفاق خاصة بعد التقارير التي تتحدث عن أزمة خانقة في الآجال القريبة”.
هجرات جماعية
وأشار بن عمر إلى أن الموجة الجديدة من الهجرات غير النظامية التي تشهدها تونس تتميز بازدياد المشاركة الجماعية للعائلات والأطفال.
وأضاف: “ألفان و400 قاصر إضافة إلى نحو 500 عائلة بأكملها وصلوا السواحل الايطالية منذ بداية العام الجاري”.
وتابع: “ارتفاع عدد القصّر في الهجرة أدى إلى استفحال ظاهرة الانقطاع المدرسي المبكر وتراجع الإنفاق على المؤسسات العامة خاصة التي ترعى الأطفال”.
وأشار بن عمر إلى أن “الإجراءات الأوروبية المتعلقة بتشديد منح الفيزا (التأشيرة) تغلق المجال على كل الراغبين في التنقل وتتركهم فريسة سهلة لشبكات التهريب وتدفعهم لدفع أموال طائلة لتسفيرهم إلى أوروبا”.
واعتبر بن عمر أن” كافة الإجراءات المتخذة لم تمنع الفئات الاجتماعية المختلفة من الهجرة ومحاولة عبور البحر”.
وأضاف: “بل إن السواحل التونسية أصبحت أكثر خطورة من الليبية، حيث سجلت تونس أكثر من 450 ضحية ومفقود في المياه الإقليمية، وهذا العدد يمثل نصف العدد الكلي لضحايا العبور في كامل البحر المتوسط”.
وأردف: “المقاربة الأمنية أثبتت عجزها رغم الإمكانيات المسخرة على حساب أولويات أخرى أهمها مقاومة الصيد العشوائي والتلوث البحري والتجارة الممنوعة”.
وجهة جديدة
من جهته، قال محمد الجويلي أستاذ علم الاجتماع بالجامعة التونسية، إن الهجرة غير النظامية هي “مقياس للوضع الاقتصادي والاجتماعي وانسداد الأفق”.
وذكر الجويلي للأناضول أنه “كلما ارتفعت حركة الهجرة بشكل مكثف كلما أحالتنا على واقع يزداد سوءا، ويبدو أن الآفاق أكثر انسدادا من ذي قبل”.
واعتبر أن “شبكات الهجرة غير النظامية تشتغل على ابتكار طرق أخرى برية مثل الحدود الصربية وتقوم على شبكة عائلية حرفية ومهنية في أوروبا تهيئ للمهاجرين حسن الاستقبال وضمان الشغل عبر عائلاتهم المقيمة في الخارج خاصة فرنسا”.
وأوضح الجويلي أن “التراب الايطالي في الأغلب هو منصة عبور فحسب نحو الدول الأوروبية الأخرى”، قائلا إن “عملية إدماج المهاجرين غير النظاميين في إيطاليا أسهل وإجراءات الإقامة مخففة مقارنة بفرنسا”.
وأضاف: “الدولة التونسية لا حلول لها اليوم سوى الضبط الأمني، وحتى الاتفاقات الدولية أو الثنائية لا يتمّ الالتزام بها بشكل كامل”.
وتابع: “المجتمع المدني التونسي يضغط بشدة لحماية المهاجرين غير النظاميين ويسعى إلى وضع اقتصادي واجتماعي جيد وهناك من يرغب في تأمين هجرة غير نظامية سليمة لتجنب فقدان الأرواح”.
وأردف الجويلي: “ما نلاحظه من هجرة النساء والقصّر يعود إلى القوانين الأوروبية التي تحمي هذه الفئات الهشة”.
ومنذ 25 جويلية 2021، تعاني تونس أزمة سياسية حادة حين بدأ الرئيس قيس سعيّد فرض إجراءات استثنائية منها إقالة الحكومة وتعيين أخرى وحل مجلس القضاء والبرلمان وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية وإقرار دستور جديد للبلاد عبر استفتاء في 25 جويلية الماضي وتبكير الانتخابات البرلمانية.
وتعتبر قوى تونسية أن هذه الإجراءات تمثل “انقلابا على دستور 2014 وترسيخا لحكم فردي مطلق”، بينما ترى قوى أخرى أنها “تصحيح لمسار ثورة 2011” التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي (1987-2011).