نشيد خمسينية الترجي الرياضي التونسي والذي تكلف على الجمعية بصفر من المليمات، مازالت الأجيال التي عاشت تلك الفترة تحفظه لما تميز به من عمق المعاني، وهذا ليس غريبا على صاحب الكلمات المرحوم عبدالمجيد بن جدو، و لما تميز به من لحن وإيقاع فريد يبوّب في خانة ألحان الأناشيد الرسمية، وهذا أيضا ليس غريبا على ملحنه الموسيقار المرحوم صالح المهدي.
وشتّان بين هذا النشيد وما سمّي بنشيد المائوية الذي نسينا حتى عنوانه ومؤديه و ملحّنه ومؤلفه، لما امتاز به من رداءة و قلة ذوق و خلو من كلمة أو نغمة من شأنها أن تؤثر، ولا عجب في أن ما سمي بنشيد المائوية قُبر يوم ميلاده، ولا تجد أحدا من أحباء الترجي يتذكره بما في ذلك من تكفل بإعداده بمبلغ مالي يكفي الترجي لانتداب نيمار!!! أبالغ.. أعرف أنني أبالغ .. لكن فقط أؤكد أن النشيد ارتقت تكاليفه إلى مبلغ موجع، والنتيجة خيط في صرة، ولقد كان أفضل بدلا عنه أن يتم اختيار واحد من أناشيد “الفيراج “، التي أبدعت جماهير الترجي الخلاقة في صنعها، ليكون نشيدا للمائوية.
هذا ليس موضوعنا، فقط تذكرت نشيد الخمسينية لأن مطلعه يقول: يحيا الترجي و أشبالو.. بيدو رفع علم الكورة. والكلمة المفتاح في هذه الجملة هي كلمة “أشبالو “.. والتي اعتمدها الشاعر في إشارة ذكية إلى ميزات واضحة.. القوة والشجاعة وصغر السن.. وكأننا به يريد أن يؤكد أن الترجي ثابت دائما بفضل كتائب الأشبال التي تنتمي إليه سواء من اللاعبين أو من المناصرين.
لكن يبدو أن من وظفتهم الصدف والأقدار، ليكونوا أوصياء على أشبال الترجي، عماد مستقبله، لا يدركون عمق المعاني التي جاء بها النشيد المشار إليه، بل إنهم لا يعرفون أن المسؤولية في جمعية مثل الترجي ليست كراس و”بيروات” واستمارات وأمر ونهي و”تفرعين”، بل إنها امتحان يُسألون عنه أمام أنصار هذا الفريق، و يُسألون عنه أمام الله الواحد الأحد الذي لن يغفر التقصير في حق الآخر، و خاصة إذا ما كان صغيرا لم يكتمل نضجه.
ومن حسن حظ الترجي، أن رئيسه السيد حمدي المدب، يندفع دون حساب، بوقته وماله ومصالحه، كلما علم بأن واحدا من أشبال الترجي يتأوه ولو من قرصة نملة. ولكن، هل بإمكان حمدي المدب أن يتابع وحده “الشقيقة و الرقيقة ” في فريق يؤمه مئات اللاعبين ويسجل حضوره في كل المنافسات محليا و عربيا و قاريا؟ طبعا لا… وهنا يأتي دور المسؤولين الذين اصطفاهم ليقوم كل واحد بدوره.. لكن هيهات.. أين هم ؟ أفضلهم لا يقدم للترجي ولو قارورة ماء ، وأفضلهم لا يبادر بالقيام بواجبه إلا بعد أن يمسكه حمدي المدب من أذنه ويسائله لماذا لم تتم هذه وهذه و تلك.. وقتها تسمع “الله يبارك سي حمدي” و يؤدى الواجب، وكم من مرة تم أداء الواجب بعد فوات الأوان .
آخر “مشطرة ” من هذه السيناريوهات، ما حدث مع لاعب الأصاغر، وهو لاعب متفق عليه بأنه ينتظره مستقبل واعد، أحمد بن صودة، وهنا أهنئ أحباء الترجي بأن هذا اللاعب أجرى أمس عمليته الجراحية و كللت بالنجاح و الحمد لله، هذا اللاعب تعرض إلى إصابة منذ أكثر من خمسة أشهر، و بعد التشخيص اتضح أنه لا بد له من عملية جراحية في أسرع وقت. الوقت الأسرع دام كما قلت لكم أكثر من خمسة أشهر، واللاعب يتردد على مسؤولي الشبان، أو الأشبال كما سماهم عبدالمجيد بن جدو، و لم يجد سوى التسويف، “أرجع غدوة” ، “آهو توة نشوفو”، “عاود طل”، “ما زال شوية “.. على عادة الإدارة التونسية و المغرمين بالمكاتب و الكراسي.
ولما لاحظ والد اللاعب أن رجل ابنه أصبحت مهددة، اتكل على الله و اتجه نحو المستشفى، بما أنه محدود الإمكانيات، وضرب لابنه موعدا لإجراء العملية، لكنهم طلبوا منه أن يتولى شراء الخيط الذي يستعمل لرتق الفتق بعد العملية، فذهب المسكين لاقتنائه فوجد أن ثمنه يبلغ ألف دينار، وهو ثمن تعجيزي بالنظر إلى إمكانياته.. إلى أين المفر؟ البعض نصحه بطلب مقابلة مع السيد حمدي المدب ، لكن عزة نفسه و احترامه لرئيس الترجي و تقديره للملفات التي هو منغمس فيها لتأمين انطلاقة جيدة للموسم ، منعوه من أن يفعل ذلك ولو على حساب ابنه، فلذة كبده، و كل ذلك حبا واحتراما للترجي و رجاله. و الحمد لله أن أصحاب الخير موجودون و قاموا بالمهمة، وأبلغوا رئيس الترجي بالموضوع، و تبين أن رئيس الترجي علم بالمسألة منذ شهر، ووجّه تعليماته لمن يهمه الأمر كي يغلق الملف في الحال، لكن من يهمه الأمر يبدو أنه كان منشغلا بما هو أهم و عاد إلى تسويف اللاعب مدة شهر آخر !!! وهنا أود أن أسأله : لو كان هذا اللاعب ابن حفيدك، هل كنت ستتصرف بنفس الطريقة ؟ “يا ذنوبي”!!!
المهم حين علم حمدي المدب مجددا بأن تعليماته لم تنفذ، و حصل ذلك أخر الأسبوع الماضي، تولى بنفسه مباشرة الموضوع، وتم يوم أمس الإثنين إدخال الشبل أحمد بن صودة إلى مصحة خاصة، و تابع حمدي المدب كل التطورات منذ دخوله إلى حين خروجه من غرفة العمليات واطمأن عليه وطلب موافاته بفاتورة مستحقات المصحة ليتولى خلاصها، ومن المنتظر أن يغادر بن صودة المصحة اليوم. وحسب المعلومات التي استقيناها ، فإن العملية التي أجراها الدكتور الهادي العنابي كللت بالنجاح التام، رغم بعض التعقيدات الناتجة عن التأخير في إجرائها !!!
أي جريمة كادوا يرتكبون !!! لو لا الله اللطيف الكريم، ولو لا أبوة حمدي المدب الذي تدخل قبل فوات الأوان، ماذا كان سيحدث لطفل ذنبه الوحيد أنه أراد أن يكون جنديا في صفوف الترجي ؟ أود فقط أن أسأل هؤلاء المسوفين هواة المكاتب و الكراسي والألقاب الوهمية التي يحملونها “للسردكة “: ألا تخجلون من أنفسكم ؟ أهذا هو تحمل المسؤولية ؟ ألهذا وضع فيكم حمدي المدب ثقته فإذا بكم تزيدون في إثقال كاهله بأبسط الملفات التي يمكن حسمها في ثوان؟ ماذا تفعلون ؟ و ماذا ستفعلون أكثر من هذا ؟ أشبال الترجي لا توفرون لهم أبسط ماهو مطلوب من حماية ؟ ما فائدة وجودكم ؟ ارحلوا إن بقي لكم ذرة احترام لأنفسكم .. يكفي ما فعلتم .. يكفي.. رحمة بالترجي وبرئيس الترجي الذي تواجهون احترامه لكم وخجله منكم، بالتقصير وانعدام روح المسؤولية، فهو لا يرضى لنفسه أن يوجع أحدكم ولو بكلمة، فهل هكذا يكافأ؟ طبعا أنا لا أقصد كل المسؤولين في الترجي، هناك من يعملون بجد و إخلاص، هناك من أثبتوا جدارتهم بالمسؤولية في هذا الفريق العريق ، على سبيل الذكر ولا الحصر، اللجنة القانونية و رئيسها الأستاذ رياض التويتي، ليت لحمدي المدب عشرات من هذا الصنف.
ولو أنه في وقت من الأوقات ، كانت هناك واحدة من هذا الصنف، فتاة على مستوى أكاديمي وعلمي عال ومستوى أخلاقي متميز، مهووسة بحب الترجي ولا تقبل أن يخدش جدار في أحد مبانيه ، عملت في الترجي بجد وكد تطوعا، وسطروا “تطوعا” باللون الأحمر، فضحت بعض الإخلالات ، فكان مآلها أن نجح “أهل الخير” في إبعادها. لا تبتئسي يا أختنا العزيزة، لن يبقى في الوادي سوى حجره. سيأتي يوم و تستعيدين مكانتك… أما أنتم أحبة هذا الركن فسأحكي لكم الحكاية في مرة قادمة على أنغام صوت الشيخ العفريت يشرقع”: “يا فاطمة بعد النكد و الغصة.. يدور الفلك ونروحو للمرسى”.. بدأناها بالغناء و ختمناها بالغناء.. جعل الله أيامنا غناء و زهوا و طربا ، يبعد عنا كل نكد ، وكل متسبب في نكد…