ما يعجبني في فوزي الوسلاتي رئيس فرع الشبان في الترجي الرياضي التونسي أنه، رغم بلوغه من العمر عتيا، مازال يصر على تسخير وقته و جهده لخدمة فريقه، بل إنه لا يعيش إلا بفضل هوائه وهواه.
هذا الرجل عرفته منذ الثمانينات صائلا جائلا في حديقة حسان بلخوجة، يغيب ثم سرعان ما يعود، والترجي هو البداية وهو النهاية في حياته. والرجل هو أيضا أنموذج يجسّم ما يقال عن أن الترجي ليس فريقا عاصميا كما يدّعي البعض، بل إنه فريق غزا بإسمه كل منطقة في الجمهورية التونسية، هذا إذا أخذنا بعين الإعتبار طبعا أن لقب الوسلاتي يحيلنا إلى جذر الوسلاتية المنحدرين من جبل وسلات شمال غربي القيروان، وهو ما يؤكد أن إشعاع الترجي ليس له حد ولا ردّ بعد أن اقتحم كل مكان بما في ذلك “دغاغر” الجبال النائية.
من مميزات فوزي الوسلاتي أنه صاحب صاحبه. ولعل أبرز دليل على ذلك أنه استبسل في الدفاع على بقاء كمال القلصي في خطة مدير فني في الترجي، مراعاة للعشرة والانسجام التام الذي ألف بين قلبي الرجلين والذي شهد به القاصي و الداني.. هو فعل ما عليه ولم يقصر في حق العشرة ، لكن من سوء حظه أن الكلمة الأخيرة لا تعود إليه، وإلا لأمضى للقلصي عقدا مدى الحياة، و حسب ما بلغني فإن الوسلاتي مازال له أمل كبير في استعادة القلصي بشكل أو بآخر، ربما هي مسألة وقت فقط، والرجل من منطلق حرصه الشديد على مصالح الترجي، لن يرمي المنديل، و سيواصل نضاله الذي عودنا به بكل تفان من أجل أن يبلغ الهدف المنشود.
لا تستغربوا، فالوسلاتي أحرص الحريصين على شؤون الترجي مهما بدت لكم بسيطة. وإليكم هذه الحكاية لتتأكدوا ممّا أقول. ففي الأيام الأخيرة جاء المدير الفني الجديد لعقد اجتماع بمدربي الشبان لأعداد البرمجة الخاصة بنشاطهم ، فوجدوا القاعة التي سيجري فيها الإجتماع خالية من الكراسي، فذهبو إلى مقر إدارة الشبان والإدارة الفنية حيث يوجد من الكراسي ما يكفي لإقامة حفلة عرس، و ذلك ليأتوا بالبعض منها لعقد الإجتماع. لكن فوزي الوسلاتي الذي هو رئيس فرع الشبان والمسؤول على تلك الإدارة، كان لهم بالمرصاد، نعم تصدى لهم باستبسال ابن الجبل العنيد، و منعهم من استعمال ممتلكات الترجي دون برمجة علمية دقيقة يمضي عليها سلفا و لو قبل الحدث بشهر، الدنيا ليست سائبة كما يتصورون، والكرسي بحسابه، وخرافة “خذوا الكراسي و خلّولي الوطن” التي خرّفها لطفي بوشناق في أغنيته هي مجرد هراء عند واحد مثل فوزي، الذي يعرف قيمة كل ساق كرسي، الإجتماع تم “بالواقفة”، وفوزي الوسلاتي، وحتى يؤمن الكراسي أكثر، غيّر أقفال مبنى إدارة الشبان، ولما جاء المدير الفني الجديد بعدها لدخول تلك الإدارة حيث مكتب عمله، قال له المفتاح الذي معه: “يبطى شوية”، فوزي الوسلاتي ليس “سيدي تاتة ” حتى يفوته أمر كهذا، الرجل خبرة.. خبرة كبييييييرة جدا.. صحيح، أنها الخبرة، وها أن الواحد يكتشف منها الجديد في كل مرة، حتى أن أحد الحكماء ممن تعودوا على حياة حديقة حسان بلخوجة اقترح إحداث خطة رئيس فرع مكلف بالكراسي وضمها إلى رئاسة فرع الشبان ، إذ ليس أفضل من الوسلاتي معرفة بقيمة الكراسي.. ولا ندري إن كان هذا المقترح سيرى طريقه إلى النور، اللهم إلا إذا ما كان الأمر يتطلب عرضه على جلسة عامة للمصادقة، فالمسألة قد تكون لها تبعات قانونية… المهم، لا تقولوا إن الوسلاتي يضع العصا في عجلة من أخذ مكان “عشيرو” كمال القلصي ، حاشا وكلا، هي فقط صرامة المتمرسين على صعوبات الجبال، هو فقط الحرص على ممتلكات ومكاسب الترجي و التي تزداد تأكدا حين نعلم بالمشروع الثوري الرائد الذي أعده الوسلاتي . فقد خطر بذهن الرجل فكرة جهنمية قد تكون منطلقا لإحداث ثورة إدارية في الترجي الرياضي التونسي لم تخطر حتى على بال حمدي المدب رغم مرور 15 سنة على رئاسته للنادي.. فقد رأى الوسلاتي، وهو خبرة كما قلنا، وجود فضاء جنب مبنى إدارة الشبان مساحته تقريبا متر على أربعة، فأعد له تصميما هندسيا لبناء مكتبين في طابق سفلي و مكتبين فوقهما بتكلفة جملية تقارب 150 ألف دينار، “طز في الفلوس”، المهم في المشاريع. وليصمت من قال إن حديقة حسان بالخوجة متوفرة على مكاتب بأكثر مما هو مطلوب وخاصة مبنى إدارة الشبان، هل له خبرة الوسلاتي حتى يفتح فاه في الموضوع ؟ كم مرة تريدون أن يكرر لكم أن الرجل خبرة ؟ فهو الأقدر على تأمين الحاضر و المستقبل وربما اقتنع أن مستقبل الشبان في الترجي مرهون في أربعة مكاتب إضافية ستفتح أبواب إنتاج مهارات عالية ..
تعاليق زائدة لا تصلح إلا لإزعاج مسؤول ذنبه أنه يتميز على الجميع بأفكار نيرة و قدرة فائق ، إنطلاقا من أنه خبرة، على تشخيص الواقع وبرمجة ما يضمن غدا أشرق من اليوم ، حتى أن كمال القلصي، ربما لأنه انبهر بهذه الخصال، و حين انتهت مهامه، قام بعملية التسليم مع فوزي الوسلاتي وليس مع المدير الفني الجديد، و الوسلاتي هو الأقدر والأعلم والأفهم كي يدرس المدير الفني الجديد دوره ومهمته و كيفية أداء عمله، هذا طبعا في إطار مساعدته، وليس كما ادعى البعض ، في إطار تعطيله.والله إنني أشفق على الوسلاتي من ثقل المهمة ومن تفانيه في أدائها، فالرجل مرهق تعب ولا أحد يقدر له ذلك، بل إنهم يزيدون ما يثقل عليه ثقلا، و إلا فما معنى أن تأخذوا كراسي إدارته؟ ما معنى أن تنتقدوا مشروع البناء الثوري الذي يؤسس له ؟ ساعدوه على الأقل بالسكات حتى يحقق النقلة النوعية التي يرنو إليها، من يدري فقد تجنح هذه النقلة بالترجي في السماء مستقبلا.. عيب و الله عيب ماتفعلونه بالرجل.. تشغلونه بمسائل فارغة حتى أنكم أنسيتموه، و سبحان من لا ينسى، واجبه نحو اللاعب الشاب والذي يقر الجميع بأن مستقبله كبير، أحمد بن صودة. فهذا اللاعب تعرض منذ أشهر إلى إصابة تستوجب عملية جراحية، انتظر، انتظر، انتظر، و الوسلاتي مشغول، انتظر والوسلاتي مشغول مشغول مشغول حتى أنه لم يجد، لكثرة مشاغله وانكبابه على المشاريع الثورية، وقتا للاهتمام به و القيام بالإجراءات المطلوبة لمعالجته.
لا تشغل بالك به كثيرا يا وسلاتي، واحمد الله أن هناك في الحديقة من هو سند لك و جاهز لمساعدتك في أداء واجبك، فاللاعب سيجري العملية في بداية الأسبوع القادم .. المهم “هنينا” على الكراسي، فقد يعودون للإنقضاض عليها.. واحفظ منها ما تريد، لتجهيز المبنى الجديد، و ليهنأ الترجي بواحد مثلك صنديد، و تكون أيام شبانه أيام عيد بعد عيد..