لم أتأخر في كتابة هذا النص، و الله ما تأخرت.. فمنذ سمعت بالخبر المفجع صباح الأحد الماضي وأنا.. واجم.. ثقيل الحركة.. مشلول التفكير.. حتى أحسست الآن برغبة جامحة في الإنفجار، لعلي أعزي نفسي في رجل .. ماذا سأقول؟ بماذا سأصفه؟ كيف سأقدمه لمن لا يعرفه؟ .. والله إنني عاجز.. والله إنني أخاف لو قلت فيه ما يجب أن يقال لسقطت في الكفر بإرادة القدر.. لذلك دعوني أبشر الملائكة بقدوم ضيف من ملائكة الأرض إلى العالم الآخر.. وأسألهم: هلا استقبلتموه بما يجازي إنسانيته ووداعته وسمو أخلاقه؟ هلا أحطتموه بالرعاية و العناية التي توازي ما أعطى من حب وودّ وجهد من أجل أن يسعد الآخر؟ هلا قابلتم ابتسامته التي لم تفارق يوما وجهه بابتسامة أعرض تبث فيه البشرى بجنة الخلود إن شاء الله؟لقد غلبنا هذا الرجل .. كل رجال الإعلام يعترفون بذلك .. شخصيا كتبت عن الترجي حين تولى رئاستها ما كان يعجبه وما لم يكن يعجبه.. و كان برحابة صدره وعلوّ مستواه يردّ على التحية بأحسن منها كلما تقابلنا في الملعب بعد المباريات. لم يحدث يوما أن احتج أو لام أو أرسل واسطة تبحث له عن ود، وكان يصرّ على أن يبقى أسمى من النزول إلى حضيض الإستجداء، بهذه الخصال و بهذه العقلية، فرض الإحترام لشخصه فرضا.. وعلى الجميع.. وبسبب هذه الخصال كان يحتل مركزا عاليا من التقدير والإجلال عندي.. لم يحدث أن جلست إليه في إطار خاص، كانت لقاءاتنا في إطار الرياضة، عرفت شخصه و طباعه بأذني التي لم تسمع عنه يوما جملة واحدة مسيئة، وكنت أرى ما أسمع من خلال تصرفاته و كلامه في اللقاءات المهنية التي جمعتني به والتي كنت أتمناها لا تنتهي. فحين تجلس إلى شخص متعلم ومثقف و ناجح و مؤدب و متواضع و خجول و مبتسم وإنساني إلى أقصى حد ، فليس لك إلا أن تتمنى للزمن أن يتوقف.
رغم قصر المدة التي قضاها في رئاسة الترجي، فقد استقر إسمه مطبوعا في قلوب الملايين التي تعشق هذا النادي، لا أحد منهم يجرؤ على ذكره إلا بالخير، لأنه لم يعش إلا من أجل الخير للجميع. بل إنه لم يبحث مرة على إشهار ما يقدمه للآخر لأنه كان يعتبر ذلك جزءا من الواجب لا يبحث من ورائه عن ثناء. و لعل أعظم ما قدمه من خير هو تسخير نفسه بجهده وماله و أعصابه و على حساب شغله و عائلته ليقدم خدمة لشباب يبحث لنفسه عن أمل في الحياة ، فإذا به يبذل كل ما يستطيع و أكثر، من أجل أن يفتح له باب هذا الأمل، دون سعي إلى مقابل أو جزاء.
عزيز زهير كانت له كل المواصفات و الشروط التي ترشحه لأسمى المناصب في الدولة، لكن هذا لم يحظ و لو بوزن نملة من اهتمامه. من أجل ذلك كان مروره بالترجي مرور الكريم الذي يعطي دون أن يأخذ .. ولم يأخذ سوى محبة و تقديرا و إجلالا كان جديرا بها جدارة لا تشوبها شائبة، بفضلها عاش عزيز الترجي، وغادر اليوم، لكنه بقي عزيز الترجي.. غادر تاركا في ملايين العيون آثار دمع لن تزول …
نم يا عزيز الترجي نومة هنيّة، و تنعم براحة من عاش في الدنيا فلم يطغ رغم ما كان له من وسائل طغيان .. تنعّم يا عزيز الترجي في مرقدك الأبدي بنعيم من أوفى حق غيره قبل حق نفسه.. ولترجع نفسك المطمئنة إلى ربها راضية مرضية لتخلد في جنة النعيم بإذن العليم.. مع النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا..
هذا غيض من فيض.. فلن يكفي ماء الغيث المنهمر عاما، مدادا نكتب به عن عزيز الترجي كل ما يمكن أن يكتب.. ألهمنا اللهم فيه جميل الصبر والسلوان.. وخفّف عن أهله وذويه وطأة الأحزان.. إنا لله و إنا إليه راجعون