تسببت موجة حر وحرائق أضرارا بالغة بمحاصيل الحبوب في تونس، مما دفع الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري للتنبؤ بأن الإنتاج لن يرقى إلى مستوى آمال الحكومة.
وتأتي الخسائر في إنتاج الحبوب في الوقت الذي تواجه فيه تونس ارتفاع تكاليف استيراد الغذاء نتيجة الحرب في أوكرانيا.
وقال المزارع عبد الرؤوف عرفاوي في بلدة الكريب بشمال تونس “الحرائق تهدد المحصول (القمح) فإذا كانت هناك حرائق هنا وهناك ، طبيعي ستقلص المحصول ويصبح هناك تهديد، ولن تجد بعد ذلك كيف ستزرع أو ستأكل، تستطيع أن ترى عندما توقفت أوكرانيا عن التصدير ماذا حصل لنا ومازال سيحصل إذا نحن الفلاحة لا نبيع قمحنا إلى الدولة ولا نراقبه لكي لا يحترق سنرى عند ذلك الأشياء السيئة التي ستحصل لنا”.
ويبدأ بعض المزارعين عملية حصاد الحبوب مبكرا، ويرضون بكمية أقل من المحاصيل خشية فقدان كل إنتاجهم لعام 2022 بسبب الحرائق.
وقال عرفاوي “العادة نقوم بعملية الحصاد يوم 5 أو 10 جويلية والآن أنت ترى نقوم بعملية الحصاد يوم 17 أو 18 جوان، فنحن خائفون من الحرائق، نقوم دائما بالمراقبة ليل نهار، الفلاحة تعبوا، يجب علينا الحصاد بدون توقيت حتى من الكمية التي نتحصل عليها لا تكون مثل العادة فهي تتقلص”.
وأضاف “لقد حصلت الكثير من الحرائق، ليس بيوم بعيد في مكان قريب من هنا لقد كانت الحماية المدنية و جرارت الفلاحة لم يستطيعوا إنقاذ إلا جزء صغير من حقل للقمح اشتعلت فيه النيران، الآن نحن لا ننام نقوم بالمراقبة وإذا أكملت عملية الحصاد يجب عليك أن تراقب التبن أيضا”.
وتوقع محمود إلياس حمزة وزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري هذا الشهر أن يصل محصول الحبوب في 2022 إلى 1.8 مليون طن، بزيادة قدرها عشرة بالمئة عن العام الماضي.
لكن محمد رجايبية عضو المكتب التنفيذي للاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري الذي يشرف على الزراعات الكبرى أشار إلى الحرائق التي اندلعت في معظم أنحاء البلاد الشهر الماضي، وقال إن هدف زيادة المحصول لم يعد ممكنا.
وقال رجايبية “محصول الحبوب لن يتجاوز 1.4 مليون طن بسبب خطر الإتلاف بالحرائق أو عند التجميع”.
وحذر الاتحاد وخبراء من أن المحصول يعاني أيضا من أضرار مباشرة بسبب ارتفاع درجات الحرارة، التي وصلت بالفعل إلى 47 درجة مئوية هذا الصيف، ومن المتوقع أن ترتفع إلى 49 درجة. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تمثل موجة الحر عائقا أمام الفلاحين في جني المحاصيل.
وأشار نجيب دويتر خبير الحرائق لدى شركات التأمين إلى أن “ارتفاع درجات الحرارة هي من الأسباب الأساسية لاندلاع الحرائق، وهذه الحرائق اذا لم يقع السيطرة عليها حينها في الدقيقة الأولى فستنتشر فإذا انتشرت لن تستطيع السيطرة عليها، وهي تنتشر بسبب الريح أو هشاشة المحصول وصعب جدا السيطرة عليها مهما كانت الإمكانيات المتوفرة”.
وكانت تونس تعتمد على زيادة كمية المحصول لخفض وارداتها من الحبوب في ظل أزمة مالية تفاقمت بسبب الحرب. وتقول الحكومة التي تدعم هذه الإمدادات إن ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة المستوردة سيكلف الميزانية 1.7 مليار دولار هذا العام.
وتهدف تونس هذا العام إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من إنتاج القمح الصلد، وهو إنتاج الحبوب الرئيسي في تونس.
وعن تأثير ارتفاع درجات الحرارة، قال حمدي حشاد المهندس والباحث في شؤون البيئة والمناخ “ارتفاع درجات الحرارة تساعد على انتشار هذه الحرائق تقريبا تونس كغيرها من الدول في البحر الأبيض المتوسط تشهد في موجات حرارة مرتفعة جدا وكل صائفة نسجل أرقام قياسية جديدة، في مثل هذه الصائفة تقريبا كنا تحت طائلة موجة حرارية اجتاحت أجزاء شاسعة من أوروبا وكذلك بعض المناطق من شمال أفريقيا وهذا ما يترك للحرائق سواء في الغابات أو في مناطق الإنتاج الفلاحي تنتشر بصفة كبيرة وتكون في الأرقام غير المعتادة”.
وتحدث حشاد كذلك عن تأثير الحرب في أوكرانيا على الأزمة الحالية قائلا “النزاع الأوكراني الروسي مع التغيرات المناخية يضع تونس أمام اختبار صعب لتلبية حاجياتها المحلية من الحبوب في ظل سوق ترتفع فيه الأسعار كل يوم وفي ظل سوق فيه ندرة لمادة الحبوب ويقوم على تنافس كبير بين الدول، هذه كلها عناصر ستضع تونس في سنة ضبابية لتوفير احتياجاتها خلال على الأقل الربع الأخير من هذه السنة”.
وقال الرئيس التونسي قيس سعيّد هذا الشهر إن محصول الحبوب في العام الحالي سيكون هدفا للعصابات الإجرامية، التي خططت تحديدا لسرقة منتج ذي نوعية جيدة.
وأضاف أن حماية المحصول مسألة تتعلق بالأمن القومي.
إلا أن الفلاح التونسي عبد الرؤوف عرفاوي أشار إلى ضرورة أن تتحرك الدولة لتشجيع الشبان على العمل في مجال الزراعة في ظل عزوف كثير منهم على اختيار هذا المجال مما يهدد الإنتاج الزراعي.
وقال “سيهرب الفلاح، سيحاول البقاء ثم يهرب، الشباب لا يريد أن يشتغل في الفلاحة، يجب على الدولة أن تلتفت له وتدعمه ليستطيع تحقيق ربح مادي، عند ذلك الوقت سيعود للعمل في مجال الفلاحة، يجب علينا تحقيق الاكتفاء الذاتي ليس هناك مكان آخر يعوض إنتاجنا، يجب علي أنا أن أنتج في دولتي. لماذا نهرب ونبقى للجوع لأنه ليس لدينا مكان آخر ننتج منه، سيأتي يوم سنبقى جائعين عندما يهرب الفلاح الصغير، من سيشتغل الأرض عند ذلك الوقت سيأتي يوم لن نعود قادرين على أكل الخبز لا أتحدث على البذور هنا، سيأتي يوم لن نستطيع في إنتاج خبزنا”.