تفاقمت وتيرة الأزمات التي تواجهها تونس خاصة الاقتصادية منها، آخرها، التبعات التي طالت أسعار سلع رئيسية في الأسواق المحلية، نتيجة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
وتعاني تونس من نسب تضخم مرتفعة قبل التوترات الجارية في شرق أوروبا، التي يتوقع أن تظهر تبعاتها على أسعار المستهلك اعتبارا من مارس الجاري.
وبسبب التوترات القائمة، ارتفعت أسعار النفط الخام فوق 115 دولارا بالنسبة لخام برنت، فيما سجلت أسعار القمح أعلى مستوياتها منذ 2008، إلى جانب زيادات في أسعار الحبوب والشحن، وارتفاع مؤشر الدولار.
أسعار النفط
وقال الخبير الاقتصادي محمد الصادق جبنون، إن “الحرب الدائرة رحاها حالياً بين روسيا وأوكرانيا أثرت على كل العالم، خاصة على أسعار النفط في فترة ما زال العالم يتعافى فيها تدريجيا من جائحة كورونا”.
وأضاف جبنون للأناضول: ” اندلاع الحرب ساهم في زيادة سعر برميل النفط إلى 115 دولارا، إضافة لعدم توفر معروض كبير في السوق الدولية، وتوجه بلدان منتجة للنفط الصخري نحو الطاقة المتجددة”.
وتونس بلد مستورد لمصادر الطاقة التقليدية، ويقدم دعما في أسعار البيع للمستهلك النهائي، ما يعني أن زيادات الأسعار ستضغط أكثر على المالية العامة.
وأكد الخبير الاقتصادي، أن كل هذه العوامل ساهمت في زيادة سعر برميل النفط، الأمر الذي لم يكن متوقعا بالنسبة لتونس، “حيث فاقت الأسعار الحالية، متوسط سعر برميل النفط في موازنة 2022 البالغ 75 دولارا”.
و”كل ارتفاع بدولار في سعر البرميل يكلف الموازنة التونسية حوالي 140 مليون دينار (49 مليون دولار)، وهو رقم كبير”، وفق جبنون.
وزاد: “هذا غير التزام تونس أمام صندوق النقد الدولي بالرفع التدريجي للدعم، ورفع كلفة المحروقات بآلية التعديل مرة كل 3 أشهر والتي أصبحت شهرية بعد ارتفاع أسعار الخام.. ما سيزيد الضغوط التضخمية الداخلية”.
أسعار الحبوب
ولفت جبنون أيضا إلى أنه “من تداعيات هذه الأزمة، ارتفاع أسعار الحبوب، حيث تستورد تونس أكثر من 60 بالمئة من حاجياتها من كل من أوكرانيا وروسيا”.
وقال: “رغم إعلان وزارة الفلاحة التونسية إبرام اتفاقيات لاستيراد الحبوب من كل من فرنسا وأمريكا الجنوبية والولايات المتحدة، إلا أن كلفة شحنها ستكون مرتفعة نظرا لارتفاع كلفة الملاحة البحرية بحوالي 10 بالمئة”.
الإشكال الآخر، وفق الخبير الاقتصادي التونسي، ارتفاع الديون على ديوان الحبوب البالغ 3 مليار دينار (1.1 مليار دولار)، مع تراجع تقييم تونس لدى “الكوفاك المختصة في تقييم الصادرات والواردات”.
ومضى يقول: وذلك يؤدي إلى “رفع كلفة التأمين على الواردات، وجعل المزودين يشترطون على تونس في أغلب الحالات الدفع الفوري على الشحنات”.
استفادة محدودة
وقبل التوترات في شرق أوروبا، كانت تونس تعاني من تذبذب وفرة القمح في الأسواق المحلية، وسط عجز الحكومة عن سداد دفعات القمح للموردين.
إلا أن الباحث في العلوم السياسية، حمزة المؤدب لمح إلى إمكانية الاستفادة من عبور الغاز الجزائري من تونس اتجاه أوروبا.
وقال: “انطلاق المفاوضات بين أوروبا والجزائر لتزويدها بالغاز، قد يصب في مصلحة تونس على اعتبار أن الأنبوب الرابط بين إيطاليا والجزائر يمر عبر تونس”.
وأضاف المؤدب للأناضول: “جزء من استهلاكنا قادم من هذا الأنبوب، رغم أن قدرة تونس من الاستفادة من ضخ الجزائر لكميات أكبر نحو أوروبا محدودة، لفقدان تونس لمراكز تخزين للغاز لتغطية حاجياتها”.
ونبّه الباحث السياسي إلى أن “تونس ليست في منأى عن الانعكاسات السياسية للأزمة خاصة بعد اتخاذها موقفا محايدا، في وقت يقف فيه شريكها الأوروبي وقفة رجل واحد ضد روسيا”.
وذكّر المؤدب أن الاتحاد الأوروبي هو الشريك الأول لتونس اقتصاديا، ماليا، تجاريا، وحتى سياسيا، إضافة للولايات المتحدة الأمريكية.