دون تشويق و بلا مقدمات.. الفريق الذي أعنيه هو بيترو أتلتيكو الأنغولي. لقد شاهدت المقابلات الثلاث التي أجراها في تصفيات المجموعات لرابطة أبطال إفريقيا. الأولى تعادل فيها في مصر مع الزمالك بهدفين لهدفين و كان متقدما بهدفين نظيفين ولم يعدل الزمالك إلا بشق الأنفس في اللحظات الأخيرة من المباراة. والثانية استقبل فيها الوداد البيضاوي الذي يمتلك مجموعة رهيبة وهزمه بهدفين لهدف والثالثة نزل فيها ضيفا على جاره الأنغولي سارغادا أسبيرنسيا وهزمه بهدف نظيف.
ميزة بيترو اتليتيكو هي اللعب الهجومي.. دفاعه يقبل الأهداف لكن هجومه قادر على الرد بضعف ما يقبل دفاعه. فريق متسلح بأربعة لاعبين من البرازيل ولاعب من البرتغال ومدرب برتغالي يبدو أنه يؤمن بالقاعدة الأفضل والأجمل في كرة القدم، وهي أنها لعبة تستوجب تسجيل الأهداف لتحقيق الفوز وتسجيل الأهداف يستوجب هجوما قويا و لعبا جيدا. هو مدرب حسب ما لاحظته لا يؤمن بتلك القاعدة البالية الركيكة التي أصبحت موضة تصريحات المدربين عندنا أعني قاعدة “ماتش يتربح و ما يتلعبش”، و الله مازلت إلى يومنا هذا لم أستوعب كيف يمكن لك أن تربح مباراة دون أن تلعبها. هكذا هي طلعات تعودناها من جهابذة التدريب و التحليل في كرتنا ثم نتساءل لماذا كرتنا تتأخر؟ الأمر بسيط ، هي تتأخر لأننا لا نفكر بعقلية بيترو أتلتيكو و مدربه.. لكي تنتصر يجب أن تسجل الأهداف ولكي تسجل الأهداف يجب أن تمر إلى الأمام ولكي تمر إلى الأمام يجب أن تشتغل على ذلك وأن تكون شبانك على أساس هذه العقلية وأن تحدد اختيارك في الإنتدابات على أساس هذه الفكرة. لكن هيهات، في تونس يريدون الحل الأسهل، والحل الأسهل هو التجمهر في الدفاع والعمل على ضمان تعادل نتبجح به ونقول: ” إننا لم نخسر”.. و ينسى الجماعة أن انتصارا واحدا يساوي ثلاثة تعادلات. وأن التعادل هو النتيجة الأقرب إلى الهزيمة. وتزداد نكبتي حين أسمعهم يتحدثون عن التوازن ، صدقوني لم أسمع يوما واحدا يفسر لنا معنى التوازن عندهم وحسب ما فهمت منهم ، فالتوازن يستوجب أكثر عدد ممكن من اللاعبين الدفاعيين ويستوجب أساسا وجود لاعب على الأقل في الوسط يقوم بدور دفاعي و يسمونه تلك التسمية المستوردة التي أكرهها وألعن في كل مرة من أدخلها إلى قاموس كرتنا “السانتينال”.. وأصبح “السانتينال” في زمننا الردئ من ضروريات الكرة. لا أريد منكم أن تفهموا من كلامي أنني لا أعترف بأهمية الدفاع في كرة القدم، حاشا و كلا، لكن أن تتحول اللعبة إلى دفاع دون هجوم فهذه طامة نازلة علينا و من نتائجها أننا صرنا لا نجد في بطولتنا مهاجما واحدا يملؤ العين، أتعرفون لماذا؟ لأن التركيز الكلي عندنا في الإعداد للمباريات لا يشمل إلا العناية بالدفاع ثم يأتي المدرب بعد اللقاء و يصرح بكل وقاحة : “نجحنا في تفادي قبول الأهداف لكننا لم ننجح في التهديف لأن الترانزيسيون لم تكن على ما يرام “”ترانزيسيون ” ؟؟؟؟ عن أية ترانزيسيون تتحدثون؟؟؟ هل أعددتم لها؟؟؟ هل حددتم لها اختيارات مضبوطة لنوعية محددة من اللاعبين الذين يستطيعون تأمينها ؟؟؟ إن المدربين بهذه العقلية يدافعون من أجل استمرارهم وتفادي إنهاء عقودهم مع فرقهم وهي الطريقة الأسهل و التي حولت مباريات بطولتنا إلى “حضبة و قول” و الله المستعان. إن المدرب الذي يحترم نفسه هو ذاك الذي يحترم القاعدة الأهم في لعبة كرة القدم و التي تفرض حسن توظيف الأداء الدفاعي والأداء الهجومي حسب سير المقابلة وحسب المنافس وحسب النتيجة أثناء اللعب. أذكر في كرة السبعينات والثمانينات كان التراجع الكلي إلى الوراء يعتبر مهزلة وفضيحة وعارا وهزيمة في كل الحالات. وكان الجمهور ينشد للفريق المنكمش كليا في الدفاع والذي يرفض اللعب تلك الأنشودة التي مازالت حية :”عشرة لتالي فلان يا بوهالي.” نعم ، لقد كان اللعب السلبي مدعاة إلى التهكم و التندر والاستهزاء ودلالة على الخوف و انعدام الشجاعة و”الرجولية”.. لكن ماذا سنفعل والرجولية صارت اليوم في “بلوطة” في الأذن و وشم في “الفارة” ودهون متعددة الألوان في شعر الرأس.. هذا فقط ما استطعنا أن نقتبسه من كرة القدم الأوروبية والأمريكية بعد أن عجزنا على اقتباس أمثلة مصغرة من ميسي ورونالدو و نيمار.. ومثل هذه الأمثلة كانت مقتبسة عندنا في كرة زمان التي أنجبت سحرة كنا نمثلهم بأكبر نجوم العالم في فرنسا وألمانيا و أنقلترا والبرازيل وغيرهم. و لن أسمي أحدا من هؤلاء فالقائمة طوييييييييييلة جدا وأخشى أن أنسى منها واحدا فأظلمه. ثم إن هناك أجيال تونسية عديدة سبقت وعيي بكرة القدم حدثوني عن سحرة فيها لم ترهم عيني. أعود لأنبه إن فريق بيترو أتلتيكو في نسخته الحالية خطير فاحذروه، ومن يريد أن يتفادى شراسته فليستعد لمباغتته والمباغتة تتطلب هجوما ناجعا ودفاعا جاهزا يؤدي كل واحد منهما دوره كاملا ولكم سديد النظر ورجاحة العقل كي تتخلصوا من الشعارات البالية والمفردات المبهمة التي تنهالون بها علينا وتصنعون لنا منها قواعد متزعزعة، تزعزعت بها أركان الكرة في بلادنا حتى صارت” فرجة” !!! ” فرجة” بالمعنى العامي لو فهمتم.