ويواصلون القول إن المنتخب التونسي يحتاج مدربا أجنبيا كبيرا !!! لقد قطعوا أنفاسي بهذا الحديث. يريدون مدربا أجنبيا كبيرا لتدريب من؟ وهل باستطاعة عبقري عباقرة المدربين أن يفهم لاعبا متخرجا من أحياء البلاد؟ و هل باستطاعة أستاذ أساتذة المدربين أن يفعل شيئا بمحترفين أغلبهم ليس بالأساسي في ناديه وأغلبهم من أندية الصف الثاني والثالث في أوروبا؟يا جماعة إن المدرب الكبير لا يمكنه النجاح إلا بلاعبين كبار ولاعبونا هم للأمانة متوسطون على المستوى القاري لذلك لا سلاح لهم سوى روح المجموعة التي لا يمكن أن يبثها فيهم سوى مدرب يفهم لغتهم و يفهمون لغته ويعرف ثقافتهم ويدرك طباعهم وأمزجتهم ويحسن التعامل معها لخلق منظومة جماعية يمكن أن تفاجئ ويمكن أن “تعضّ” كما نقول في لغة الكرة مباراة بين الحين والحين مثلما فعلنا مع نيجيريا. ولنفرض أن لنا لاعبين كبار، فهل أن جلب مدرب كبير لهم كفيل بضمان الإنتصار على الجميع؟ ماذا تقولون في ما حصل لوحيد هاليلوزيتش مع المغرب إذن؟ وماذا تقولون في ما حصل لكونشيساو مع الكاميرون؟ وماذا تقولون حتى في كيروش مع مصر؟ ألم تكن نهايته درامية وأكدت له و للجميع أن أسلوب اللعب الذي انتهجه يمكن أن ينجو به مرة ومرة ومرة لكن ليس دائما؟ المدربون الذين ذكرتهم لا تقل أجرة الواحد فيهم عن 85 ألف أورو في الشهر فضلا عن الإمتيازات و المنح. تدفع هذه الأجرة من أجل أن تعود إلى بلادك بعد مباراة الدور ثمن النهائي؟ معادلة لا يقبلها العقل.. لا تقولوا لي كيروش مرة أخرى حتى لا أذكركم بأن حسن شحاتة رفع بطولات 2006 و2008 و2010 بجنسيته المصرية وتحدى أقوى المنتخبات ولم يلعب ضدهم منكمشا إلى الوراء مثلما فعل كيروش الذي كان بحوزته أغلى لاعب إفريقي مدعما بخماسي من أساسيي فرق أوروبية ذات باع و ذراع.. فوصل بهم الى العين بصعوبة قاتلة ثم ترك الماء ليرتوي به منتخب سينغالي يقوده مدرب سينغالي. ولنعد إلى بلادنا، فمن الأفضل لنا، عوض المطالبة بمدرب أجنبي يلهف ما تبقى في خزينة البنك المركزي من دولارات ما أحوجنا إليها، أن نطالب بتمتين قواعد بطولتنا حتى تنجب لنا لاعبين من طينة قادرة على صنع الابتسامة حتى لا نبقى تحت رحمة الصنف الثاني في أوروبا. وليكن الإنتماء للمنتخب استحقاق وليس انتماء “بالماركة”.. ان الحل الوحيد لنا هو في بناء بطولة تفرز على الأقل ستين لاعبا يقدرون على إفادة المنتخب ندعمها بالمتألقين من أساسيين محترفين إن كان فيهم من هو موجود في مستوى عال من المنافسة. هكذا يكون للمدرب هامش اختيار واسع وكاف لتكوين مجموعة تشرّف وتعرف. و بناء هذه البطولة يجب أن يعتمد على المنتوج المحلي و المنتوج المحلي يجب أن ينال حظه الكامل من التكوين في الصغر ثم فرصته الكاملة للعب في الأكابر. لكننا اليوم نرى كيف أن الفرق الكبرى تشتت شبانها كأولاد الحجلة لتبحث عن الحل السهل في الإنتداب من خارج البلاد. والمصيبة أن هذه الفرق خسرت أكثر مما ربحت في هذه الإنتدابات إلى درجة تبعث الريبة و الشك في نزاهة و سلامة ما يحدث من صفقات. لقد كنت من أكثر المتحمسين لمشروع فتح الحدود بين بلدان المغرب العربي، على أساس أن ينال اللاعب التونسي فرصته الكاملة في البلدان المغاربية مثلما ينال اللاعب المغاربي فرصته الكاملة في تونس. لكن للأسف لم يحدث هذا ورأينا مثلا كيف أن المنتخب الجزائري غنم لاعبين ينشطون في تونس في حين لم يحصل العكس. لذا أصبح من الواجب اليوم أن تتم مراجعة هذا الإختيار بل أصبح من الواجب أن يتم تسقيف عدد الأجانب على الميدان بلاعب وحيد، هكذا نجبر الأندية على إيلاء الاهتمام المطلوب بشبانها الذين يبقون قبل كل شئ الأولى بنيل الفرصة لإعادة الروح إلى الكرة و بناء حلم جديد وآمال جديدة مع جيل أكثر طموحا و قدرة على تحقيق ما “يفرهد” هذا الشعب المنكوب الذي مازالت آماله في الفرحة معلقة بقطعة جلد منفوخة.
إن من عادة التونسي أن يقول حين يلاقي شخصا مصحوبا بابنه الشاب :”مازالت البركة “. فلا تقطعوا علينا هذه البركة الموجودة عندنا ونحن نتجاهلها بل نقصفها قصفا رغم أنها قادرة، بنيل حظها وحقها، على أن تزرع البلاد وردا و تحول أجواءها إلى ربيع دائم . طبعا ليس كالربيع العربي الذي أوهمونا به.