نعود اليوم بعد أن انتهت الكان الكاميرونية.. لقد آثرت أن أصمت لأرى وأسمع منذ آخر مقال كتبته في هذه المساحة و كان ذلك ليلة مباراة تونس و نيجيريا ولمحت فيه إلى أن الترشح ممكن رغم أن نيجيريا أقوى و أشرس منا. حصل ما لمحت له وهذه ليست عبقرية مني ولا قدرة على قراءة الغيب إنما احتمال ذكرته وذكرت به كل من أراد أن ينسى أن كرة القدم حاكمة بأمرها و يمكن أن تقلب المعطيات رأسا على عقب فتغلب الضعيف على القوي. واكتفيت بعدها بدور السامع ولقد سمعت ما كنت قد توقعت بيني وبين نفسي. سمعت تمجيدا للمنتخب حوله إلى المراهن الأول على اللقب وسمعت تأليها للنسور التي تحولت إلى كائن لا يقهر وسمعت غناء يعزف على إيقاع نصر لم يتحقق بعد. في تلك الأثناء كان الخوف مستبدا بي. ماذا لو يتحول كل هذا التمجيد و التأليه والغناء إلى احتقار وترذيل ونواح؟ وبالفعل حصل ما كنت خائفا منه بعد أن جاءت الهزيمة ضد بوركينا فاسو. وشاهدت وسمعت ورأيت مرة أخرى كيف أن الموقف يمكن أن ينقلب تسعين درجة في ثانية واحدة. ولقد دفع بي هذا الأمر أكثر إلى التزام الصمت عملا بما غنّته المرحومة نعمة حين قالت:” كان الكلام من فضة يكون السكات ذهب”. لقد أصبح باب الكلام مفتوحا على مصراعيه عندنا حتى أن بلادنا أصبحت أكبر منتج للثرثرة وليت الثرثرة تتحول إلى منتوج قابل للتصدير فإننا بذلك سنتحدى صندوق النقد الدولي وسنقول له اترك مساعداتك في جيبك فإننا لا نحتاجها بل إننا على استعداد لمساعدتك ومساعدة غيرك، والبركة في الثرثرة. افهموها للمرة الأخيرة.. إن لنا منتخبا لا يستطيع أن يفرض نفسه. عندنا منتخب لا يقدر إلا على “سرقة” بعض المباريات بين الحين والآخر أوهزم منافسين يقلون عنه مستوى، و يكذب من يدعي أننا أسياد في القارة أو في الوطن العربي أو أننا قادرون على إبهار العالم. ليس هذا استنقاص للموهبة التونسية لكنه تذكير بأن هذه الموهبة ضيعوها في أسواق نخاسة الكرة. ضيعها نخبة من مسؤولين سماسرة يستعجلون الربح و لا يفكرون في بناء جيل. ضيعها عصابة شر استحوذت على أحلام أجيال من الشباب و حولتها إلى كوابيس في إطار حرب مصالح و منافع ضيقة مقيتة لا تفكر لحظة واحدة في حق هذا الوطن عليها.الوطن حولوه إلى أشلاء فهل ستكبر في عيونهم قطعة جلد منفوخة بالهواء؟ يريدون من منتخب يمثل بطولة عرجاء خاوية أن يقارع كبار افريقيا بجحافل محترفيهم الناشطين في أقوى أندية العالم. كيف لنا أن نتمكن من ذلك و في بطولتنا ما لا يقل عن ستين لاعب إفريقي، دون أن نحسب العرب، لم نر منهم لاعبا واحدا يشارك في الكان مع منتخب بلاده. هؤلاء نستوردهم بالعملة الصعبة فقط لنزيد وضعنا المالي تدميرا دون أن نستفيد منهم بشئ سوى غلق الأبواب أمام المواهب التونسية الشابة وفسح المجال للسماسرة كي يرتعوا كما يريدون. أنا لا ألوم المنذر الكبير ولا اللاعبين فهؤلاء قدموا ما استطاعوا وتحدوا المرض و تحملوا تبعاته و حاولوا و يكفيهم شرف المحاولة.ثم إنهم لم ينهزموا هزائم تجلب العار أو تعادل الفضيحة مثلما حاول البعض تسويقه و لقد رأينا ما قدمه منتخبا غامبيا و بوركينا فاسو بعيوننا و تأكدنا من أنهما منتخبين يفرضان الإحترام على أي منافس.نحن لم نرد الإعتراف بهذا لأننا نصر على غرورنا ونرفض أن نتواضع أمام تطور الأحداث وتغير الزمن و نريد أن تتلذذ الشهد دون أن نتعرض إلى لدغ النحل. لم نقتنع بعد أن النتائج لا تكون إلا بالعمل والجهد والنظافة والنزاهة وحب النجاح وبتنقية الفضاء الذي ننشط فيه والذي تحول هواؤه إلى غازات سامة خانقة. نعم نحن لا نريد ذلك. نحن نريد أن نغنم الكثير بالجهد القليل.نريد أن نربح في أسرع وقت ولا نريد أن نتعلم الصبر. نريد أن تستمر حياتنا كذبا و بهتانا و نرفض أن نواجه الحقيقة. و مازلنا نتخيل اننا الأقوى و الأفضل و الأمهر و الأجدر و نحن أبعد ما يكون عن ذلك لأننا تعودنا على “السرقة” بين الحين و الحين كما قلت حتى صرنا نتصور أن كل عملية “سرقة ” ستنجح و نسينا أن المآل الأخير لمن يسرق هو افتضاح أمره….لقد اعتبرنا انتصارنا على نيجيريا بمثابة الحصول على كأس العالم.و لو أعدنا مواجهة هذا المنتخب عشر مرات لما فزنا بواحدة و شخصيا لن أهنأ بمصير منتخبنا إلا حين يصبح صاحب الحظ الأوفر للفوز حين يواجه نيجيريا وما عادلها وإلا فلنعترف أن بلوغ ربع النهائي في الكان هو نتيجة أكبر من قيمة منتخبنا في الوقت الراهن على الأقل في انتظار أن ينصلح الحال، وها أننا صابرون منتظرون.