فتحت تصريحات ممثل صندوق النقد الدولي في تونس، جيروم فاشيه، علامات استفهام حول مستقبل الوظيفة العمومية في تونس، التي تعد همًّا رئيسيًا للباحثين عن عمل في البلاد المرتبكة سياسيا واقتصاديا.
والإثنين، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن “فاشيه” قوله، إن على تونس “الساعية للحصول على مصادر تمويل دولية، القيام بإصلاحات عميقة جدا، لا سيما خفض حجم قطاع الوظيفة العامة، الذي يبلغ أحد أعلى المستويات في العالم”.
مزيد من الثقل
هذه التصريحات، ترخي على الشارع التونسي مزيدا من الثقل حول مستقبل التشغيل، إذ يبدو أن القطاع الخاص أبطأ من التوسع وخلق فرص عمل جديدة، بسبب التوترات السياسية التي تشهدها البلاد.
فيما تتجه الوظيفة العمومية، على الأقل، إلى تجميد التعيينات لعدة سنوات، وتعليق الترقيات، لتحقيق هدف ضبط فاتورة رواتب الموظفين العموميين، وقد يتوسع الأمر إلى فتح باب التقاعد المبكر اختياريا.
ولطالما كان ضبط قطاع الوظيفة العمومية مطلبا لصندوق النقد الدولي، في عديد الاقتصادات العربية كالأردن وفلسطين ومصر، ما يثير التساؤل أيضا حول استخدام شروط إصلاحات متشابهة لدول متباينة الأزمات.
وبحسب بيانات حكومية، يبلغ عدد الموظفين العموميين في تونس حتى 2021، نحو 661.7 ألف موظف، بإجمالي فاتورة أجور سنوية 20.3 مليار دينار (7.2 مليارات دولار)، تعادل قرابة 38 بالمئة من إجمالي الميزانية.
محادثات سرية
ولم تعلن الحكومة التونسية عن محادثات مع صندوق النقد الدولي، إلا أن منظمة “أنا يقظ” الرقابية (مستقلة)، نشرت مطلع جانفي الجاري، وثيقة سرية تتعلق بمفاوضات رئاسة الحكومة مع الصندوق.
وتتضمن الوثيقة السرية، تعهدات بتجميد الأجور لثلاث سنوات، وتجميد الانتداب في الوظيفة العمومية وغيرها من الإجراءات، وهو ما يتطابق مع تصريحات “جيروم فاشيه”.
وتسعى تونس إلى التوصل لاتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي بهدف الحصول على قرض بحوالي 4 مليارات دولار يمكنها من تجاوز أزمتها المالية غير المسبوقة، ولكن الأخير يشترط توافقا بين الأطراف الاجتماعية.
هذه التطورات بشأن الوظيفة العمومية، تتزامن مع تصاعد حدّة الضغوط المالية على تونس في ظل الأزمة السياسية التي تمر بها منذ اتخاذ رئيس البلاد قيس سعيّد “تدابير استثنائية” في 25 جويلية الماضي.
وترفض غالبية القوى السياسية في تونس إجراءات سعيّد الاستثنائية، وتعتبرها “انقلابا على الدستور”، بينما تؤيدها قوى أخرى ترى فيها “تصحيحا لمسار ثورة 2011″، في ظل أزمات سياسية واقتصادية وصحية.
خطوات تمهيدية
وفي 19 نوفمبر الماضي، أعلن الرئيس أنه “من المقاربات التي يجب العمل عليها لتشغيل الشباب المعطل عن العمل وأصحاب الشهادات العليا الذين طالت بطالتهم، استعادة أموال الشعب المنهوبة”.
ويريد الرئيس سعيد بعد استعادة الأموال المنهوبة، تأسيس شركات جديدة، بنظام الشركات الأهلية، يكون فيها المساهمون من سكان المنطقة وتتوفر فيهم صفة الناخب في الانتخابات البلدية.
وتؤمن الحكومة التونسية بأن الوظيفة العمومية لم تعد قادرة على استيعاب الداخلين الجدد لسوق العمل، بينما البيئة الاستثمارية في انتظار الاستقرار على المستوى السياسي.
وحسب بيانات المعهد التونسي للإحصاء (حكومي)، ارتفعت نسبة البطالة إلى 18.4 بالمئة في الربع الثالث من 2021، صعودا من 17.9 بالمئة في الربع الثاني من العام نفسه، و17.8 بالمئة في الربع الأول.
ووفقا للبيانات، فإن نسبة البطالة كانت تبلغ 15.1 بالمئة في الربع الأول من 2020، و18.0 بالمئة في الربع الثاني، و16.2 بالمئة في الربع الثالث، و17.4 بالمئة في الربع الرابع من نفس العام، و14.9 بالمئة في الربع الرابع 2019.
ووفق تتبع البطالة في تونس، فإن النسبة المسجلة في الربع الثالث من 2021، تعتبر الأعلى منذ عام 2011 على الأقل، وفقا للبيانات الأرشيفية المتاحة على موقع “theglobaleconomy”.
وفي وقت كانت فيه نسب البطالة دون 15 بالمئة، شهدت تونس في السنوات اللاحقة لعام 2015، مجموعة اعتصامات واحتجاجات وإغلاق طرقات في بعض الجهات، قادها شباب باحث عن فرص عمل.
وفي حال امتثال الحكومة لبرنامج إصلاحات صندوق النقد، وأبرز بنوده ضبط فاتورة رواتب الموظفين العموميين والقطاع ككل، فإن عدد الباحثين عن عمل سيواصل ارتفاعه، بينما لا تتوفر بيئة جاذبة للاستثمارات الأجنبية.