كان الزملاء من الإعلام الجزائري يقفون في المنطقة الحرة بعد لقاء الأمس الذي حصلت فيه مفاجأة انهزام المنتخب الجزائري ضد غينيا الإستوائية وهم ينتظرون مرور اللاعبين منها للحصول على تصريحات. لكن لاعبي الجزائر كانوا في قمة التأثر ولم يستطع أحد منهم أن يتوقف للإدلاء بتصريح. لاعبو الجزائر كانوا خجلين من أبناء وطنهم الذين تكبدوا أعباء آلاف الكيلومترات لنقل صور الفرحة إلى شعب الجزائر الأبي العزيز، كانوا خجلين لأنهم لم يحققوا غاية شعبهم في تلك المباراة المشؤومة فماذا سيقولون و ماذا سيحكون. كان موقفهم بمثابة طلب الإعتذار من شعب كامل و مؤشر على أنهم شاعرون بالمسؤولية و أنهم عازمون على تحملها إلى الآخر، و كيف لا يفعلون وهم محاربو الصحراء و المحارب لم يتعود على رمي السلاح.
الصحافيون كانت ردة فعلهم إزاء اللاعبين أكثر من رائعة، لقد لوحوا ببعض كلمات التشجيع و التحفيز وجبر الخاطر والمساندة من أجل رفع المعنويات خاصة وأن الحرب لم تنته بعد والتدارك مازال أكثر من ممكن , يكفي الفوز في المباراة القادمة و هذا في متناول الجزائر التي سترد بإذن الله ردة الأسد المجروح. الصحافيون كانوا متفهمين لموقف لاعبي منتخبهم و لم نسمع منهم أي تعليق جارح أو احتجاج أو إساءة بسبب عدم إدلائهم بتصريحات.
صورة المنطقة الحرة هذه أعتبرها درسا مليئا بالعبر. درس في التضامن من أجل صورة بلد و من أجل فرحة شعب. درس في تحمل و تقاسم أعباء المسؤولية و تجنب انتهاز الفرص لتصفية الحسابات الضيقة على حساب الصالح العام. فالوقت ليس سانحا لذلك. الوقت يدعو الآن إلى الإلتفاف و التآزر من أجل تحقيق الهدف بالمرور إلى الدور الثاني.
صحيح أن الأمر ليس بالسهل لكن المحاربين عودونا بالقدرة على تخطي الصعوبات وأتمنى أن لا يشذوا عن هذه العادة .
ولقد تجولت البارحة بين بعض الفيديوهات الجزائرية و لمست مدى التعاطف و التفاعل الإيجابي جدا مع ما حصل.
و ما حصل هو سر من أسرار هذه الكرة الملعونة التي قد تتنكر في لحظة عناد إلى كل ما بذلته من أجل أن تسديها حقها.
الجزائريون مازالوا يثقون في منتخبهم و في مدربهم و في جماهيرهم من أجل أن يتم إنجاز المهمة على الوجه المطلوب أو لنقل على الوجه المفروض.
و في انتظار ذلك قدموا درسا للجميع، درس يقول إنه لا خير في من لا يقف وقفة رجولة عند المحن.
لم أشاهد في ما شاهدت ولم أسمع في ما سمعت جزائريا يسخر مما حصل بنبرة الشامت، و لا من تهجم على لاعب أو مدرب و نعته بأبشع النعوت التي تشكك فيه لتنزله في عيون الناس من القمة إلى الحضيض، ولا من ينصب نفسه سيد العارفين ليقدم الدروس إلى الجميع بمنطق من لا قبله ولا بعده.
كان هناك نقاش و كان هناك تحليل و كانت هناك رؤى وتفاسير مختلفة لكنها كانت تقدم في إطار تام من الإحترام و بنية صادقة في النصح من أجل تفادي ما وجب تفاديه في المباراة القادمة فقط لدعم حظوظ منتخب الجزائر و تنوير صورة بلاد وإدخال فرحة في قلوب ابناء شعب هو جدير بها.
كان الله مع الجزائر في مباراة الخميس القادم وليكن هذا اليوم يوم فرحة مشتركة للتونسيين و الجزائريين الذين مثلما اختلطت دماء شهدائهم في سيدي يوسف نتمنى أن تختلط أفراحهم و تتواصل إلى آخر عتبة من هذه الدورة. و لم لا يتجدد الموعد بعد موعد البطولة العربية، عندها سنقول: صُبّي حيثما شئت فسيأتينا خراجك..