أكثر ما يضحكني وأحيانا يجنّني، وأنا أسمع قوافل المنظرين في تونس، أن يستعمل واحد كلمة لا يفهم لها معنى ولا أصلا ولا فصلا. هكذا، تجد واحدا سمع كلمة تقال فقالها ثم أصبح مدمنا على استعمالها ليرمي بها في كل ثقب من ثقوب حديثه.
وفي الأيام الأخيرة سمعت من يتحدث عن المدرب الوطني منذر الكبير ليقول إنه مدرب ليست له كاريزما. ثم صار يلوك الكلمة مرة و مرة و مرة حتى صار مزعجا وهو يكررها. و بطبيعة الحال لم يكن هناك أي علاقة بين مفهوم الكاريزما وما كان يقوله هذا الجهبذ الذي لا تفهم من كلامه إلا أن من يمتلك كاريزما تجد في يده عصا و تجد وجهه مقطبا و تجده ساخطا كالغول يخافه الجميع و يخشون بطشه. نعم هذه هي الكاريزما و هكذا يجب أن يكون المدرب وإلا فالحكم الصادر عنه هو أن شخصيته ضعيفة، وهذه الكلمة هي أيضا سبب آخر من أسباب المحن التي أعيشها، شخصية ضعيفة و شخصية قوية وعنده شخصية و ليست له شخصية، كلمات توجع لي رأسي و المصيبة إنك حين تبحث لها عن مقصد و معنى فإنك تسمع جعجعة و لا تجد دقيقا.
ربما أكون في حاجة إلى دراسات أقرؤها و دروس أحضرها تتناول موضوع الكاريزما والشخصية حتى أنمي معلوماتي وفهم ما صعب علي فهمه من جهابذة اليوم. لكن دعوني أقل لكم شيئا أنا متأكد منه، إن مجموعة لاعبي المنتخب متماسكة بنسبة تفوت التسعين بالمائة وهي نسبة ممتازة حين نتحدث عن علاقات في مجموعة ذات أفراد ذوي طباع مختلفة و طموحات مختلفة و درجات مختلفة و حتى ثقافات مختلفة. والتأليف بين مجموعة أفراد مختلفين يستوجب حتما وجود قائد يتحلى بصفات و طباع تجعل أفراد المجموعة يحترمونه و يحبونه و يسعون إلى إسعاده حتى لا يأتيهم منه غضب، والقائد في هذه الوضعية هو المدرب الذي لا يمكن له لن يحافظ على مكسب الحب و الإحترام إلا بضمان الثقة و ضمان الثقة لا يؤمنه إلا العدل بين كل الأفراد و معاملتهم دون تمييز وهذا يتطلب من المدرب جهدا إضافيا و مهما يتمثل في الحديث المقنع للمجموعة وبعدها للأفراد كل على حدة حتى يقتنع كل واحد أن حقه لا يهضم و أن الاختيارات لا يمكن أن تكون إلا على أساس ضمان صالح المجموعة كلها و عندها ينتفع ويستفيد كل فرد فيها.
كل هذا الذي أقوله و الذي يبدو ضربا من ضروب التفلسف حسب ما سيقوله لي البعض هو جوهر الموضوع. و كل هذا الذي أقوله يحصل بين المنذر الكبير وأبنائه الذين يحترمونه و يحبونه وأنا واثق من معلوماتي و لدي ما يؤكدها. فضلا عن ذلك فإن لاعبي المنتخب يأتون إلى حصص التدريب بنهم كبير لما يجدون فيها من إفادة و متعة تجعلها خفيفة رائقة حتى عند إجراء التمارين الشاقة. ملخص هذا أن المنذر الكبير ناجح في القيادة و العمل وهو جدي و متخلق و له مستوى أكاديمي عال لهذا قلت و مازلت أقول إن هذا الرجل يقنعني و أكن له الإحترام الكبير وسأبقى على موقفي ما لم تتغير المعطيات التي ذكرتها.
نأتي الآن إلى مسألة الإقناع بالإختيارات التكتيكية و الفنية التي صار كل الناس يتحدثون فيها و هذا حق للجميع . حتى لمن لا يفقه شيئا في الكرة، فنحن في آخر الأمر نحب هذا المنتخب و نحب أن نسعد به.
في هذه المسألة يمكن لك أن تقول إن اختيارات المدرب لم تكن صائبة و يمكن أن تقول إنه لم يوفق في تسيير المقابلة و يمكن أن تقول إنه لو فعل كذا لكان أفضل من أن يفعل كذا، بل يمكن لك حتى أن تقول إنه ليس الإختيار الأنسب للمنتخب، فالمنذر الكبير قبل كل شئ و بعده بشر غير معصوم، لكن أن تقول إنه “بيه و عليه” و تنسب ماراق لك من النعوت البائسة فهذا عيب، بل قلة حياء لا تقل عن قلة حياء لاعب قديم بائس المسيرة سمعته أذني يقول بوقاحة: “مدرب تاعب” و نسي انه أتعب من أن يكون تلميذا في السنة الأولى لدى المنذر الكبير.
أما إدعاء أن المنذر الكبير لا يحدد الإختيارات و أن رئيس الجامعة يفرضها عليه حتى في ضبط التشكيلة فهذا أكثر ما يضحكني في الموضوع. و لعل أكبر مشكل لبعض من في الجامعة هو أنهم وجدوا الأبواب موصدة حين أرادوا التدخل في مهام الكبير الذي بثقته في نفسه يحترم الجميع و ينصت إلى الجميع لكنه لا يقرر الا في غرفة مغلقة يجتمع فيها مع مساعديه.
و المنذر يحرص على أن لا يوجع احدا ممن حوله بكلمة سيئة أو خارجة عن نطاق التربية و الأخلاق ليس من باب الضعف لكن لانه تعلم ان يكون كذلك و لأنه يحظى بمستوى تعليمي و ثقافي و تربوي عال جدا و هذا ما يزيد شخصه احتراما.
و في اعتقادي، إذا أصبح الناس في هذا الزمن الكلب يفضلون ان يتسلح الواحد بالوقاحة و قلة التربية و انحطاط الأخلاق حتى يقال عنه إنه صاحب كاريزما.. فليسلموا لي على الكاريزما و هنيئا لهم بها