شعاع من مارج (11): الانتصار

أحداث انطلاق كأس إفريقيا للأمم يوم أمس في الكاميرون يمكن اعتبارها انتصارا..
انتصار للقارة الإفريقية التي حافظت على حقها في أن يكون لها مثل هذا الملتقى الرياضي الكبير في المكان الذي تم اختياره وفي الموعد الذي تم تحديده.
انتصار للكاميرون التي أرادوا حرمانها و حرمان شعبها من حقه في أن يقيم عرسا لكرة القدم تشرئب له أعناق بلدان العالم و تلتفت فيه عينا العالم إلى هذا البلد الطامح.
انتصار لإرادة افريقيا و تمسكها بحقها في تنمية كرة القدم على أرضها و ذلك من خلال إصرارها على إجراء بطولة الأمم مرة كل عامين رغم مكائد الاتحاد الأوروبي الذي يريدها لمصالحه مرة كل أربع سنين، فحاول مرارا و تكرارا فرض سلطانه في الموضوع لكن إفريقيا قالت لا.. وأكثر من تمسك بالرفض هو الكاميروني عيسى حياتو الذي واجه و جادل و ضرب على الطاولة من أجل الحفاظ على هذا المكسب و من ألطاف الله أن الظروف عجلت بترحيل خليفته الملغاشي أحمد أحمد الذي كان على أهبة “بيع الطرح”. وحتى الجنوب إفريقي موتسيبي الذي جاء بعده كان طائعا لمغازلات و مراودات أوروبا وإينفنتينو رئيس الفيفا و لو لا الوقفة الحازمة لرئيس الاتحاد الكاميروني النجم العالمي صامويل إيتو لما كنا نشهد أمس انطلاق الكان التي كانت قاب قوسين أو أدنى من التأجيل. لذلك رأينا كيف أن موتسيبي كان يوم أمس في حفل الافتتاح يتودد في كلامه للكاميرون ورئيسها وحكومتها وشعبها ولكل الأفارقة في مشهد أراد من خلاله أن يستر عورة ما كان سيقترفه في حق القارة التي أولته ثقة قيادة مملكة الكرة فيها. هذا هو موتسيبي صديق و شريك دونالد ترامب. و حين نعرف أنه صديق وشريك في بعض الأعمال مع دونالد ترامب ندرك من الذي جاء به و لماذا. لذلك وجب أن يكون في كل اتحاد افريقي رجل مثل صامويل إيتو له وزن و تأثير وإلا فإن الكرة في إفريقيا ستوضع في سوق نخاسة يتلذذون بيعها و شراءها كما شاؤوا غير عابئين بحق بلدان افريقيا في أن يكون لهم فضاء كرة يتطور و يتقدم و يبسط نفوذه على العالم و على أوروبا بالخصوص التي أدركت أن مستقبل كرتها اليوم مرتبط ارتباطا وثيقا بالقارة الإفريقية و باللاعب الإفريقي.
لقد رأينا يوم أمس أن الوضع في الكاميرون ملائم للعب الكرة في أجواء راقية. فملعب المباراة كان ممتازا، عشب الملعب كان جيدا، التنظيم كان محكما و حفل الافتتاح كان رائقا و معبرا رغم بساطته.
ماذا تريدون أكثر من ذلك ؟
النزل و الطرقات و خدمات الخمس نجوم.. وعلى الطراز الأوروبي العالي ؟
هذه مازالت لم تتوفر في إفريقيا بالشكل الذي تشترطون، أفريقيا التي تجرؤوا بكل نذالة على استعمار شعوبها وسرقة أراضيها وأموالها و خيراتها ليسبقوا في بناء حضارة، صاروا يطالبون اليوم بتوفير تفاصيل تفاصيل هذه الحضارة في بلدان انهكوها و ابتزوها و استعبدوا أهلها وإلا فلن تأخذ حقها في أن تحتفل و تسعد شعبهاحتى بلعبة يالهذه الوقاحة! ماذا تركتم لإفريقيا حتى تطالبوا بهذا الحزم سوى أطلال استعمار مازالت تحافظ عليه أنظمة موالية تعودت على طأطأة الرأس في محضركم ؟
إننا في قارتنا مازلنا متعودين على الطرقات الضيقة المكسرة وعلى الخدمة البسيطة المتواضعة و على القليل نعيش به لكننا كرماء برغم انف ما سلط على شعوبنا من قهر واستعباد يوظف باياد مأجورة لزبانية استعمار فاحش مازال يستبيح حق الشعوب الإفريقية ويسرق منها حتى الهواء.
نحن سعداء بما نحن فيه فماذا تريدون؟ أن نرضخ أكثر مما رضخنا ؟ لا هذا لن يكون. فنحن كرام كما قلت ولم يبق لنا الا الكرم و الكرامة و بهما معا سنصنع تاريخا جديدا.
إننا في إفريقيا برغم كل هذه العوائق سنكسب التحدي.
تحقق يوم أمس انتصار ستتلوه انتصارات. و ستنهض افريقيا يوما لترقص على إيقاعات موسيقاها الجميلة رقصات انتصارات دائمة لا تنتهي، وحتى إن لم نعشها نحن، فسيعيشها أحفادنا و في ذلك عزاء لنا. فلا تثقوا في الزمن أكثر مما أنتم واثقون اليوم فلقد قال أهل الحكمة “إن الزمن دوار”.