صورة محمد الدرة رحمه الله وهو يبحث عن مخبأ بين أحضان والده يحميه من مطر الرصاص الصهيوني.. صورة ستبقى راسخة في أذهاننا إلى الممات
تلك الصورة التي تعكس جبروت وتسلط ولا إنسانية الكيان الغادر نقلها إلينا صحافي.
معنى ذلك أن هذا الصحافي كان معرضا حياته للفناء في ساحة تمطر رصاصا من أجل نقل الصورة على حقيقتها.
والصورة تنقل معلومة والمعلومة تتضمن خبرا والخبر في حرفة الإعلامي مقدس أي أنه يجب أن يكون ثابتا مؤكدا لا تشوبه شائبة.
الصحافي الذي قبل أن يصبح صحافيا مر بمعهد عال ليتعلم أصول الحرفة. وهذا المعهد تتحمل الدولة أعباء تكلفته الباهظة من أجل تكوين إطارات قادرة على أداء وظيفتها. ووظيفتها هي اقتناص الخبر وتقديمه دون زيف وإبداء الرأي بكل حرية وحياد.
أكاد أقول أن الحصول على المعلومة أو الخبر هو علم له أسس و آليات و قواعد يتم تلقينها من قبل المختصين في المعاهد المختصة لشبان اختاروا هذا الاختصاص.
حين يتخرج الصحافي بعد تلقي التكوين المطلوب من المفروض أن يكون متمكنا من المفاتيح التي تفسح له الطريق لفتح الأبواب التي تمكنه من الخبر.
إذا كان الأمر كذلك فما معنى أن نسمع إعلاميين يطالبون الأجهزة الرسمية وغير الرسمية بتمكينهم من المعلومة أو الخبر.
هل يعني هذا أن الصحافي أصبح مطالبا بالجلوس في مكتب وفي يده هاتف يتصل بهذا وذاك ويجمع المعلومات؟
ما الفرق في هذه الحالة بينه وبين عون موزع الهاتف؟ ولماذا تصرف الدولة دم قلبها من أجل أن تعلمه العمل الصحافي؟
وأي مانع في حالة كهذه في أن يصبح كل مواطن صحافي وهو في بيته؟ وما حاجته الى نشرات الاخبار في التلفزات و الاذاعات و الجرائد؟
هذا الشيء يزعجني.. بل يخجلني خاصة حين يصدر عن هيئات إعلامية رسمية تطالب بالتمكين من المعلومة. هكذا ” هناني بناني” ودون أي بذل. نعم هي تطالب وكأن الأمر حق مكتسب
أنا أريد من الجميع غلق الأبواب على المعلومات وأحب أن يكون هناك إعلام يرفع التحدي ويخترق هذه الأبواب ويخرج المعلومة الصحيحة الثابتة المؤكدة دون مزية من أحد. حينها فقط سنحس بوجود اعلام حرفي يتقن عمله ولا ينتظر هدية قد لا تختلف في غاياتها عن الارتشاء. نعم هناك من يسعى إلى ارتشاء الإعلامي بتقديم خبر على طبق يجنبه عناء البحث والتدقيق وتوظيف ما تلقاه من علم ليؤدي واجبه ويتعب من أجله. أعطيك المعلومة والمقابل ألا تذكرني إلا بخير حتى وإن كنت أشرّ الناس وأن تقدمني في صورة البطل حتى وإن كنت أجبن الناس. وأن تلمّع صورتي حتى وإن كانت أقبح الصور.
إننا نقف اليوم على إعلام يفقد وظيفته ويعجز على التصدي إلى الانتصاب الفوضوي والعشوائي الذي يغتال ساحته ليجد نفسه في مواجهة كل التهم التي حولت خبره إلى خرافة ورأيه إلى ارتزاق.