من الحكايات التي تناقلناها في بلادنا أن أحدهم قال، والعهدة على الراوي، إن تونس من أغنى بلدان العالم، ولما سئل أن يفسر ذلك أجاب بأن هذا البلد ومنذ مئات السنين وهو ينهب إما من الغزاة أو من ولاة أمر شعبه ورغم ذلك فإن هذا الشعب مازال يصمد ويبدع أيضا وهذه البلاد مازالت تقف شامخة متحدية.
أكاد أصدق هذه المقولة، ولم لا أصدقها وأنا أعيش على مر أجيال على سماع حكايات كانت تقال همسا ثم صارت تقال علنا حول عصابات باعت واشترت في البلاد كما شاءت وبلا حسيب أو رقيب، استباحت خيرها وعبثت بثرواتها وانتفخت كروش أفرادها حتى كادت تنفلق وهم لم يشبعوا يوما ولم يكفوا عن تلبية أوامر نهمهم وجشعهم على حساب الأخلاق و القيم وأوامر الله بأن نعدل بين الناس وننصف وأن نعامل بالحسنى.
عصابات تتلذذ رؤية أهل البلاد يجوعون و المؤونة مخزنة في دهاليز أنانيتهم، بل تتلذذ رؤية بلاد كاملة يهددها الوهن فلا يزيدونها إلا ابتزازا وامتصاصا لدمائها حتى يتعاظم وهنها وهم لا يريدون أن يقتنعوا بأن المركبة إن غرقت لا قدر الله فستغرق بكل من على ظهرها، ولن يبكي وقتها سواهم على ما خسروا أما البقية فليس لهم ما يخسرون.
ولقد قرأت هذه الأيام تصنيفا نشره صندوق النقد الدولي يرتب الدول العربية من الأفقر إلى الأغنى في العام الذي مضى باعتماد نصيب الفرد من الناتج المحلي، ولقد أدهشني أن تونس موجودة في المرتبة التاسعة من ثمانية عشرة دولة و بمعدل 10.9 الف دولار للفرد و يأتي وراءها العراق ثم الأردن ثم ليبيا ثم المغرب ثم موريتانيا ثم جيبوتي ثم السودان ثم جزر القمر ثم اليمن في حين نجد قبلها و في المرتبة الثامنة الجزائر وقبلها مصر و قبلها عمان وقبلها الكويت وقبلها السعودية وقبلها البحرين وقبلها الإمارات وقبل الجميع وفي المرتبة الأولى قطر. وقد استثنى الترتيب كلا من الصومال وفلسطين وسوريا ولبنان.
مرتبة ثامنة بنصيب يوازي 10.9 ألف دولار للفرد أي ما يعادل 31.400 دينار لكل فرد في العام أي ما يعادل أيضا 2.600 دينار للفرد في الشهر!!! أليس هذا هو الرخاء بعينه؟
ماذا يحصل في البلاد إذا؟ أين تتبخر هذه الاموال؟ وكيف أن المواطن مدان بأضعاف هذه الأرقام في حين أن ثروة بلاده تكفي كي يتمكن من العيش عزيزا كريما؟
إنها تذهب الى كروش لا تشبع وأنفس لا تتورع ورهوط ليس لها ما تصنع سوى امتصاص الدماء، إنه الاعتداء الصارخ على مبدأ العدل والإنصاف الذي توعد الله بالويل من يدوس عليه فداسوا وابتدعوا الفتاوى لجرائمهم ومازالوا يفتون إلى أن ينزل الله بهم صواعق الدنيا قبل صواعق الآخرة.
نعم لقد ديس العدل والإنصاف حتى بين السراق أنفسهم، فسارق البيضة الذي سرق من أجل إسكات جوع استبد به ينال ما ينال الكلب من عقاب وإهانة أما سارق الدجاجة بكل البيض الذي في جوفها فإن الأصوات تتعالى لتبرئة ساحته و ان لزم الأمر طلب الاعتذار من حضرته بعد تنظيف ملف جريمته وتزيينه بكل مساحيق البهتان و الكذب و الكل في إطار عمل عصابات، وشعارات تلوح باسم الديمقراطية و حقوق الانسان.
لست أدري أيهم الانسان؟ سارق البيضة أم سارق الدجاجة؟