شهدت السنوات الأخيرة زيادة كبيرة في عمليات النصب والاحتيال التي تستهدف مستخدمي الإنترنت في مختلف أنحاء العالم. وتتعدد أشكال الاحتيال على الشبكة الدولية. فمستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي مثل تويتر أو فيسبوك، تلقوا رسائل أو طلبات من نوعية “قابل الشخص الذي تريد مواعدته باستخدام صورة أول شخص أعجب بك. اكتب اسم نجمك الإباحي المفضل، اكتب اسم أول حيوان أليف لديك والشارع الذي نشأت فيه، أو ابحث عن اسمك المحتمل في العصور الوسطى باستخدام يوم وشهر ميلادك.
فهل يبدو الأمر مجرد مرح لا ضرر منه؟ الحقيقة أن الأمر ليس كذلك لآن الإجابة على هذه الأسئلة تعني تقديم معلومات قد تؤدي إلى اكتشاف كلمات مرور حسابات المستخدم، أو الإجابة على الأسئلة المتعلقة بتأمين الحسابات وبيانات خاصة بسن أو عنوان وربما اهتمامات المستخدم، وهو ما يسهل على المحتالين الذين يجوبون الإنترنت بحثا عن معلومات تساعدهم في اختراق حسابات بطاقات الائتمان وأرصدة المستخدمين.
ويقول بول ديفيز أستاذ الفيزياء البريطاني والكاتب ومقدم البرامج في تقرير نشرته وكالة بلومبرج للأنباء إن هناك زيادة كبيرة في عمليات الاحتيال التي تستهدف المستهلكين والتعاملات عبر الإنترنت، وبالتالي يجب أن يتحلى المستخدمون بقدر أكبر من الذكاء حتى لا يقعوا في شراك المحتالين. وفي حين تتحرك البنوك باستمرار لمواجهة هذه المخاطر، فإنها تحتاج إلى المساعدة من جانب شركات الاتصالات وشركات الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي. وقد يكون القانون هو الطريقة الوحيدة لتشجيع تعاون هذه الأطراف، في ظل المخاوف بشأن حماية خصوصية البيانات والمصالح التجارية.
ويرى الخبراء أن بريطانيا واحدة من أكثر دولة العالم المستهدفة بعمليات الاحتيال، باعتبارها دولة ثرية تعتمد بدرجة كبيرة على الخدمات الرقمية، إلى جانب أن اللغة الإنجليزية واحدة من أكثر اللغات انتشارا في العالم. وبلغت الخسائر الناجمة عن عمليات الاحتيال الإلكتروني في بريطانيا خلال النصف الأول من العام الحالي 750 مليون جنيه إسترليني (992 مليون دولار) مقابل 582 مليون جنيه إسترليني خلال الفترة نفسها من العام الماضي بحسب بيانات منظمة ” يو.كيه فاينانس”.
ويقول ديفيز الأستاذ في جامعة أريزونا الأمريكية ورئيس مركز بيوند (BEYOUND) للمفاهيم الأساسية للعلم إن هذا النوع من السرقة ازداد بالفعل مع التوسع في التسوق والخدمات المصرفية عبر الإنترنت، لكنها شهدت طفرة قوية خلال جائحة فيروس كورونا المستجد، نتيجة ازدهار التعاملات الرقمية واستخدام الناس لخدمات رقمية جديدة لا يجيدونها بالدرجة الكافية. وبالإضافة إلى الحصول على مفاتيح كلمات المرور من المستخدمين بالطرق الاحتيالية كتلك التي سبق ذكرها، يستخدم المحتالون الرسائل النصية الجماعية المعروفة باسم “التصيد الاحتيالي” والإعلانات عن استثمارات وهمية وانتحال الهوية عبر البريد الإلكتروني والخداع الرومانسي. ورغم أن كثيرين يعتقدون أنهم أذكى من أن يقعوا في هذه الأخطاء، فإن الأمر لا يحتاج لأكثر من السهو لثانية واحدة حتى يقعوا في شرك المحتالين.
ويشير ديفيز إلى أن بعض أكبر الخسائر الناجمة عن عمليات الاحتيال تحدث عندما يتمكن المجرمون من اعتراض رسائل البريد الإلكتروني بين الشركات ومورديها أو بين مشتريي المنازل ومحاميهم. ففي اللحظات الأخيرة يرسل المحتالون إلى المشتري رسالة بريد إلكتروني من عنوان مزيف ويقدمون له بيانات بنكية جديدة أو مصححة. وبدون انتباه يرد المشتري على الرسالة وكأنه يتعامل مع محاميه فيخسر في لحظة واحدة مئات الآلاف من الدولارات.
ويحذر جون شيلاند خبير مكافحة جرائم الاحتيال في المركز الوطني للجرائم الاقتصادية في بريطانيا إنه حتى عمليات الاحتيال الصغيرة أو البسيطة مثل إرسال عروض مزيفة لبيع الأحذية الرياضية الشهيرة بأسعار مخفضة أو الرسائل النصية التي تخبر المستخدم بأن هناك طردا بريديا لا يمكن توصيله إلى عنوانه، يمكن أن تتيح للمحتالين فرصة الحصول على بيانات بطاقة الائتمان الخاصة بالمستخدم، لكي يستغلها المجرمون بعد ذلك من أجل سرقة مبالغ مالية أكبر.
ويقول العاملون في القطاع المصرفي إنهم يحتاجون إلى مساعدة منصات التواصل الاجتماعي وشركات الاتصالات لكي يتمكنوا من رصد عمليات الاحتيال الإلكتروني في بداياتها.
ويقول جيم وينترز رئيس قطاع مكافحة الاحتيال في بنك باركليز ببريطانيا “نحن نرى فقط الجزء الذي يتم فيه تحويل الأموال، لكننا لا نرى الجزء الذي يتم فيه الإيقاع بالضحايا”. المطلوب تعاون أكبر وتبادل للمعلومات، ليس فقط بين البنوك وإنما بين البنوك وكل شركات الاتصالات والتكنولوجيا ذات الصلة.
ويقول بول ديفيز في ختام تقريره إن الوقاية تظل خير من العلاج في مواجهة عمليات الاحتيال الإلكتروني. فالمرء لا يمكنه الهرب من جائحة الاحتيال. فالاحتيال منتشر والمجرمون موجودون في كل مكان بالعالم، وهو ما يعني ضرورة أن تتحرك السلطات في مختلف دول العالم لمواجهة هذا الخطر المتزايد.
في الوقت نفسه فإن الاحتمال الأقوى أن تفضل شركات التكنولوجيا والاتصالات تحقيق أقصى إيرادات ممكنة، بأقل النفقات عندما تكون عمليات الاحتيال مجرد جزء بسيط مما يتم على شبكات هذه الشركات التي تقول إن المرء يجب أن يلوم المستخدمين على وقوعهم في فخ عمليات الاحتيال.
لذلك يطالب ديفيز بإصدار التشريعات والقواعد التي تجبر هذه الشركات على التعاون بصورة أكبر في مجال مكافحة جرائم الاحتيال لآنه من حق مستخدمي التكنولوجيا والخدمات الرقمية ألا يكون مقابل الاستفادة من مزايا الخدمات الرقمية، المخاطرة بخسارة أموالهم في عمليات قرصنة واحتيال لا تتوقف.